كتبت\هبه عبدالله
• تمنى أن يدفن فى مدينة رسول الله
• توفى بعد عودته بأيام قليلة من العمرة
• آخر أعماله كانت بناء مسجد رفض كتابة اسمه عليه
“بلد العلم”.. هكذا يطلقون على قرية كلح الجبل “الصعايدة قبلى” التابعة لمركز إدفو بمحافظة أسوان، والتى منها خرج الشيخ محمود أحمد أبو الوفا الصعيدى، أحد عمالقة قراء القرآن الكريم فى مصر، الذى أصر أن ينمى موهبته ويقود نفسه نحو أركان دولة قراء القرآن، فخرج من الصعيد “صوت الجبل”.
وُلد الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى، فى قرية كلح الجبل الصعايدة قبلى بمحافظة أسوان، خلال عام 1954 ودرس فى التعليم العام وحفظ القران فى سن مبكرة داخل أحد كتاتيب القرية وفى سن الشباب سمع بنصيحة أحد أساتذته وسافر إلى القاهرة ليستكمل “بحر” القرآن الذى سبح فيه.
انتقل إلى القرية التى خرج منها “صوت الجبل”، والتقينا بأسرة الشيخ داخل استراحته التى بناها عوضاً عن منزل الأسرة القديم، واستمعنا من أسرة الشيخ وهم القارئ الدكتور أحمد، نجل الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى، وكذلك أسرة الشيخ، أحمد على وطه عبد الفتاح، قصص نشأة الشيخ وحبه للعلم وحفظه القرآن فى سن مبكرة.
كانت بدايات الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى، ونشأته منذ الطفولة نشأة قرآنية، وكان والده ووالدته حريصان على ذلك، فعائلة “آل صابون” محبين للقرآن وغرس العلم لدى الطفل منذ نعومة أظافره، وقد يكون الشيخ أبو الوفا، ورث موهبة الصوت الحسن من جده لأمه، الشيخ حسن القليد، وكان ذو صوت حسن، وربما كانت بمثابة النبتة لصوت الجبل الشيخ محمود أبوالوفا الصعيدى، وكان أول من حفظه القرآن هى والدته وبدأ يتردد فى الحفظ ما بين والدته فى المنزل وكتاب القرية، على يد الشيخ كمال ثم الشيخ محمد أبو العلا، والذى أوصى لوالده أن يهتم بابنه فى القرآن وكان وقتها ابن 6 سنين حينما قال له: “شايف ابنك له فتوح فى القرآن فأعطِ له الفرصة ولا تبخل عليه”.
الطفل الصغير تربى ونشأ محباً للقرآن وكان الدافع لذلك تشجيع أسرته له، وكان الشيخ منذ نشأته ينمى موهبته بنفسه ويسلى نفسه بتلاوة آيات القران بصوت جميل وكان يشجعه فى ذلك زملائه وأصدقائه فى الدراسة والقرية، وكان أهل القرية قديماً يذهبون مسافة إلى النيل لملء الماء، وكان الشيخ فى الطريق ذهاباً وإياباً يتلو القرآن وهو يحمل الماء على كتفه ويهتف من حوله “الله”، واختاره أساتذته لتلاوة القرآن فى الإذاعة المدرسية كل صباح، واختاره أهالى القرية وهو فى المرحلة الإعدادية للقراءة فى الواجبات والمناسبات المختلفة، وكان الشيخ أيضاً فى نشأته ينشد القصائد فى مدح الرسول بأحد الليالى بالقرية، وسمعه أحد الشيوخ الذى كان فى زيارة للصعيد ووضع يده على رأس الشيخ أبو الوفا وقال له: “يا محمود يا ابنى أنت للقرآن وليس للإنشاد”.
وبعد حصول الشيخ على الثانوية التجارية بمجموع كبير يؤهله لدخول كلية التجارة، إلا أنه فضل علوم القران، سافر إلى القاهرة والتحق بالدراسة فى الأزهر الشريف لتلقى علوم القراءات وأحكام التجويد، ونقل وظيفته كباحث اجتماعى فى الشئون الاجتماعية بقرية كلح الجبل الصعايدة قبلى، إلى محل دراسته وإقامته الجديد بالقاهرة، ولم يستغل صلة القرابة بينه وبين وزير الشؤون الاجتماعية وقتها لطلب ترقى فى الوظيفة أو شغل منصب فى الوزارة ولكن كان يقول “أنا طريقى القران”، وساعده تحديد هدفه فى الوصول إلى مبتغاه، لأنه اعتبر القرآن رسالة غير مهنة أو وظيفة، للدرجة التى قدم فيها استقالته من وظيفته للتفرغ إلى القرآن وعلومه.
سجل الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى أول شريط له عام 1982 وكان لسورة مريم، ولا يزال أسرته محتفظين به ويستمعون له، وكان يعتبر القرآن رسالة لذا يواصل المجهود فى سبيل القران، وتوفى وقد أنهى كل التزاماته من القراءة بالنوتة التى مدون فيها، حتى أن آخر التزاماته كان الطبيب نصحه بعدم الذهاب لليلة حفاظاً على صحته من بذل مجهود ولكن فضل الالتزام بوعده حتى أنه رفض أن ينيب ابنه لإحياء الليلة مكانه.
وكان فى أواخر عمره كثير التردد على القرية التى وُلد فيها، وبنى له مسجداً وداراً لحفظ القرآن ورفض كتابة اسمه على المسجد أو على أية لوحة تشير إلى ذلك وسماه “مسجد الإخلاص” وكان حريصاً على إكمال بنائه حتى انتهى منه فى السنة التى توفى فيها.
وتمنى الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى أن يموت فى مدينة رسول الله، حباً للنبى وأصحابه، وكان كل عام يذهب إلى العمرة وفى السنة التى توفى فيها، أطال المكوث فى المدينة المنورة، إلا أنه توفى بعد عودته منها بأيام قليلة، وكان فى حياته كثير مشاهدة النبى فى المنام.
وتوفى الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدى فى شهر نوفمبر عام 2018، عن عمر يناهز 64 عاماً وللشيخ 5 من أبناء، أكبرهم الدكتورة زينب، طبيبة أسنان وحاصلة على الدكتوراه وكانت تحاضر فى جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية، ثم يليها الدكتور أحمد، الابن الأكبر للشيخ محمود طبيب وقارئ مثل والده، ثم يليهما إبراهيم دكتور صيدلى، ثم يليهم منيرة طبيبة صيدلانية وأخيراً كابتن طيار على، الابن الأصغر للشيخ.