كتبت\هبه عبدالله
** كافة المقتنيات الخاصة بأم كلثوم كانت مع والدى وسلمها للمتحف ليراها الجمهور العام
** أم كلثوم لم تلتفت للأكاذيب وكانت تدفعها نحو تحقيق مزيد من النجاح
** ظلت متزوجة الفن فترة كبيرة حتى تحقق النجاح في مشوارها
نحن من الجيل الذي لم يشاهد أم كلثوم، ولكن شاهد المسلسل العبقرى للمخرجة الرائعة إنعام محمد على، والذي يجسد سيرتها الذاتية منذ طفولتها وحتى وفاتها، يكف مشاهدة هذا المسلسل لتعلم حجم النجاحات غير المسبوقة التي حققتها تلك السيدة التي حفرت اسمها بحروف من ذهب في تاريخ الغناء ليس المصرى أو العربى بل العالمى، فشعرتها تخطت الحدود ووصلت لأبعد مكان في العالم ومكانتها جعلت زعماء دول يتمنون لقائها، عاصرت 3 حكام لمصر وظلت محتفظة بمكانتها على قمة الغناء العربي، لذلك استحقت بكل جدارة لقب “كوكب الشرق”.
في ديسمبر 2020، خرج علينا السفير البريطانى فى مصر سير جيفرى آدامز حينها بكلمة خلال إحدى فعاليات وزارة الثقافة يقول فيها إنه يحب اللغة العربية لأنها لغة كوكب الشرق أم كلثوم، يكفى أن تسمع هذه الجملة لتعلم حجم تأثير كوكب الشرق على دبلوماسيين غربيين مرموقين رغم مرور عقود على وفاتها، وأيا كانت البلد التي تطأ قدميها فيها إلا وتجد جمهورها محتشد أمام المسرح لسماع أغانيها.
“فكرونى” و”أنت عمرى” “القلب يعيش كل جميل” و”ألف ليلة وليلة” “يا ليلة العيد”، أغانيها متنوعة وغزيرة، والبعض يرصدها بحوالي 300 أغنية وآخرون يؤكدون أن العدد وصل لـ 1500، منذ العشرينيات وحتى السبعينيات، لم يتوقف الميكروفون أو المسرح عن غناء كوكب الشرق، ولم يؤثر كبر السن على صوتها القوى الجميل الذي أبهر آذان الملايين حول العالم، واجهت صعوبات كبيرة، وتبرعت على عرش الأغنية العربية لعقود لم يستطع أحد أن يزيحها، وتظل حتى بعد 49 عاما من وفاتها هي كوكب الشرق التي لم يتخطى نجوميتها أحد.
تواصلنا مع “جيهان الدسوقى” حفيدة شقيقة أم كلثوم ، لتحكى لنا عن قصة هذه السيدة العظيمة، وهذا التاريخ الذي كان يتحرك في مصر طيلة 77 عاما، ووكيف واجهت كافة الشائعات والأكاذيب التي رددها البعض عنها، وكيف نجت من انتهاء مسيرتها في الثلاثينيات بعد ادعاء “بيت الطاعة”، وأبرزت المقتنيات التي سلمتها العائلة لمتحف أم كلثوم ومصير المقتنيات الثمينة التي كانت تمتلكها وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..
أنتم كعائلة كوكب الشرق أم كلثوم.. هل هذا يحملكم مسؤولية كبيرة؟
من يعرف قيمة أم كلثوم يحترم عائلتها بشكل كبير، وكونى أننى حفيدتها فهذا يحملنا مسئولية كبيرة خاصة لدى جيل الكبار الذي يعشقون كوكب الشرق ويعرفون قيمتها، وكل من يعرف أننى حفيدة كوكب الشرق يعاملنا معاملة خاصة، فما زالت سيرتها مستمرة حتى الآن بعد وفاتها بـ49 عاما، فهي تركب إرثا كبيرا لا زالت تفتخر به العائلة حتى الآن، وسمعتها الجيدة تجعلنا مرفوعين الرأس ونفتخر دائما بها، وهناك احترام كبير من جانب الجميع لأم كلثوم وما قدمته أيا كان مستواهم، وهذا سر نجاح كوكب الشرق أنها وصلت لكل الفئات ولكل المستويات، وهذا يزيدنا فخرا بها ونحن سعداء بأننا أحفادها.
ما أبرز ما استوقفك في حياة أم كلثوم؟
حياة أم كلثوم كلها وقفات نقف عندها كثيرا، فقرية طماي الزهايرة لم تكن معروفة قبل أم كلثوم، ولم يكن يتوقع أحد أن يخرج منها شخصية تحفر اسم هذه القرية بحروف من نور، وتظل تفتخر بها القرية حتى الآن، وواجهت أم كلثوم كل التحديات والصعوبات التي واجهتها واستطاعت أن تتخطاها، رغم صعوبة تلك التحديات والعراقيل وهو ما يؤكد شخصيتها القوية وطموحها وإرادتها على تحقيق النجاح، فكل مراحل حياتها استوقفتنى كثيرا وجعلتنى أفكر كيف لسيدة أن تنجح في تحقيق كل هذا النجاح وتظل سيرتها باقية ولم يستطع أحد أن يتخطاها رغم وفاتها في 1975.
ماذا سمعت عنها من عائلتك وأجدادك؟
كانت إنسانة تحب عائلتها كثيرا، وقريبة منهم، وكانت في ذات الوقت تسعى لتطوير نفسها دائما ومجددة بشكل كبير، وأجلت زواجها كثيرا واعتبرت نفسها تزوجت الفن لذلك استطاعت أن تحقق هذا النجاح الكبير في مسيرتها.
كيف لبنت في قرية وتنتمى لأسرة فلاحة يسمح لها بالغناء وينتشر صيتها لهذه الدرجة لتذهب إلى مصر بعدها وتبدأ معها شهرتها الغنائية؟
بالفعل رغم أنها سيدة وتنتمى لقرية ولكن كانت تتمتع بشخصية قوية، وكانت قد قررت أن تأخذ خط معين في حياتها، وموضوع الغناء قد يكون هزل بعض الشئ لدى الأسرة حينها ولكن اهتمام والدها بموهبتها بجانب تلك الموهبة والصوت الجميل والقوى الذي تمتعت به وتفرغها للغناء حيث ألغت حينها فكرة الزواج من ذهنها وتفرغت لتحقيق نجاح في المشوار الغنائي كان سببا كبيرا في هذا النجاح الكبير.
واجهت أم كلثوم شائعات كثيرة على رأسها زعم رجل صعيدى أنه تزوجها وطلبه لها في بيت الطاعة وكادت تلك الواقعة أن تنهى مسيرتها الفنية.. كيف تعاملت العائلة مع الأمر؟
كان الموضوع صعب للغاية عليها، خاصة أنها كانت قد وضعت يديها في الوسط الفني وأصبحت ذات صيت كبير للغاية وتربعت على عرش الغناء، ولكن هذه الواقعة بالفعل كانت لتقتضى على مسيرتها خاصة أن والدها وهو الرجل الفلاح والمواطن المصرى الذي لا يقبل أن يخوض أحد في شرف ابنته قرر حينها أن يعود بها إلى قرية طماي الزهايرة لأن الموضوع وصل إلى الشرق، إلا أن المحيطين به أكدوا له ضرورة عدم تنفيذ هذا الأمر حتى لا يعتبر البعض أن هذه الموضوع حقيقى لأنه شائعة وتبين كذبها.
أم كلثوم واجهت شائعات كثيرة خلال حياتها منها الزعم بتورطها في مقتل اسمهان بجانب شائعات الزواج وغيرها.. كيف كانت تتعامل مع كل تلك الشائعات؟
إذا نجح أحد نصف نجاح أم كلثوم لتعرض لهجوم شديد وشائعات كبيرة، فتخيل هذا النجاح الضخم الذي حققته منذ شبابها وتربعها على عرش الغناء ليس في مصر بل في العالم العربى لعقود، فهذا يجعلها تتعرض لحملات أكاذيب وشائعات، فقط كان مشوار حياتها ناجح للغاية ولكنها في ذات الوقت لم تكن تنظر تحت رجلها ولا تهتم بالشائعات والهجوم عليها، بل كان يعطيها دفعة، وكل ما زاد الهجوم، زادت إرادتها وأعطاها دفعة أقوى لتحقيق النجاح.
هل تنازلت أم كلثوم عن طموحات ورغبات من أجل أن تحقق هذا النجاح الكبير؟
بالفعل.. هي ظلت متزوجة للفن لفترة كبيرة، وتنازلت عن رغبات كثيرة تكون لدى أي سيدة في عمر الشباب من أجل الفن .
ما أبرز ما لفت انتباهك في صفات أم كلثوم؟
لقد كانت سيدة رقيقة لكن تتصرف بعقل يجعل كل من يتعامل عها يحترمها بشكل كبير، لذلك كانت جميع الوسط الفني والغنائى يحترم تلك الشخصية بشكل كبير ويفتخر بمشوارها الغنائي، وكانت دائما تنظر للمستقبل.
ما هي أبرز الصفات التي أحببت اكتسابها من أم كلثوم؟
الكرامة والشجاعة ، فلم تكن تهاب أحد في الحق ، وهذا ما عرفته عنها من والدى وجدي، بجانب اللباقة، فكان لديها لباقة ولا تخطئ في حق أحد ولديها كياسة وذكاء وهي صفات أحببت اكتسابها من كوكب الشرق.
هل حاولت أن تسيرين على نفس نهج جدتك في النجاح بالحياة؟
أنا واحدة من الناس ليس في نفس النجاح أو القبول الذي تمتعت به أم كلثوم، فنجاحها بعد توفيق الله عز وجل جاء بسبب ذكائها وموهبتها الكبيرة وإصرارها على النجاح، ولا يوجد أحد في المجال الفني حقق نجاحا 100 % مثلما حققت أم كلثوم، فهي تفرغت للغناء والفن وهذا هو سر نجاحها.
ما هو سر بقاء حب المصريين والعرب لأم كلثوم؟
سر ذلك حبها لما تفعله، فحبها لما تعمله جعلها تعطى من روحها للعمل الفني والغنائى الذي تقدمه، بحيث أصبح مثل روحها، فأي غنوة كانت تقدمها أم كلثوم كانت تقدمها بحب وكأنه قطعة من روحها، وليس مثل أغاني تيك أواى التي نسمعها الآن، فكانت أغانيها مليئة بالمشاعر وإخلاص.
لماذا ظلت أم كلثوم ناجحة منذ بداية صعودها على مسرح الغناء حتى وفاتها ولم تخفت في يوما نجوميتها بل ووصلت أغانيها للعالمية التي؟
هي موهبة ربانية تصل أذن أي شخص تلمس مشاعره حتى لو لم يكن يتحدث نفس اللغة التي تغنى بها أم كلثوم، ووجود أغانيها حتى ألان وسماع المصريين والعالم العربى لحفلاتها التي تذاع عبر القنوات حتى الآن يدل على أنها صوتها كان صنع ربانى، بجانب ما تمتعت به من الذكاء، فموهبتها طفرة ربانية أعطاها الله لها، وقد كانت تقف على المسرح وهي في سن الـ 70 سنة وتغنى ساعتين لأنها أحبت الغناء، وعندما تحب شيء لا تتعب منها بل كانت مخلصة في عملها.
رغم كبر سن أم كلثوم في أخر سنوات عمرها إلا أنها ظلت تغني بنفس حلاوة الصوت التي كانت تتمتع بها منذ صغرها وكأنها ما زالت شابة بما تفسرين هذا الأمر؟
بالفعل.. صوتها لم يتأثر بكر السن بل زاد رخامة ووضوح أكثر، خاصة أن اللغة العربية التي كانت تغني بها لا يوجد مثلها ولم يستطع أحد أن يصل لنفس هذه الرخامة والدقة في ندق الكلمات باللغة العربية.
لماذا؟
حفظها للقرآن الكريم أعطاها مخارج ألفاظ صحيحة وصوتها كان جميلا وهذا ساعدها كثيرا، فالكبير لا يستطيع أن يغنى مثلما كان صغيرا إلا أم كلثوم فهي نجحت في ذلك.
ما هي أكثر أغنية لأم كلثوم تحبينها؟
أغنية “فكرونى”، أحبها للغاية وكذلك “ألف ليلة وليلة” فهما من الأغانى الرائعة التي أحب سماعها كثيرا.
ماذا عن مقتنيات وتراث أم كلثوم خاصة العقد الذي كانت ترتديه وصممه كبار المصممين العالميين أين تحتفظ به العائلة وهل سلمته لمتحف أم كلثوم؟
ابن شقيقتها كان لديه دولاب كامل محتفظ به بكثير من المقتنيات لأم كلثوم، وهناك مقتنيات عديدة توجد في متحف أم كلثوم، ولكن لا نعرف أين مجوهراتها والعقد الذي كانت تحرص على ارتدائه، وكان هناك مقتنيات متميزة لديها مثل الراديو الي يوجد به خريطة بحيث عندما تحدد خريطة أي دولة يأتي لها محطة الإذاعية الخاصة بها كان مع والدى، وتنازلنا عنه لمتحف أم كلثوم، بجانب الكثير من المقتنيات التي تنازلنا عنها كي يراها الجمهور وتصبح تراث عام يتعرف على جمهور ام كلثوم ويستمتع به خلال زيارته لمتحفها.
هل زرت من قبل متحف أم كلثوم؟
لم ازره ولكن والدى هو من زاره.
هل هناك مقتنيات لها تحتفظين بها فى منزلك؟
لا.. كافة المقتنيات الخاصة بأم كلثوم كانت مع والدى والتي سلمها للمتحف.
أم كلثوم عاصرت حقب سياسة مختلفة من الملك فاروق لجمال عبد الناصر لأنور السادات .. والجميع احترمها ولم يعاديها أحد..ما رأيك في ذلك؟
كل زعيم جاء مصر جعل أم كلثوم بعيدة عن السياسة ونظر لها كموهبة يحبها الجمهور المصرى والعربي، لذلك كانت علاقتها جيدة بكل من حكموا مصر، بجانب أنها كانت ذات شخصية قوية وتحترم ذاتها وتاريخها وفي نفس الوقت كانت تتسم بالتواضع، فوالدي الذي عاصرها كان يقول لنا إن شخصيتها كانت بها تناقض.
كيف كانت شخصية أم كلثوم بها تناقض؟
لأنها كان دمها خفيف ونفس نفس الوقت خجولة وشجاعة للغاية، ولديها حياء وتداعب وتنكت ولديها شجاعة وجرأة وهذا ما كان يطغى على شخصيتها.
كيف كانت تتعامل أم كلثوم مع عائلتها؟
كانت علاقتها متميزة للغاية مع عائلتها، وكانت تحب أطفال عائلة لأن الله لم يرزقها بأطفال، فكانت تحب أطفال أختها وتعطي لهم العيدية وتحب الجو الأسرى للغاية.
هل كانت تستشير عائلتها في أغانيها وحفلاتها؟
لم تكن تحب الحديث في الفن في المنزل مع عائلتها على الإطلاق، فكانت تجلس مع جدى وعندما يتحدثون عن الغناء تقول له “يا عبده انسى أنى فنانة وأنا معاكم سوما أختكم” فلم يكن أحد يسألها عن الفن.
كيف كانت علاقة أم كلثوم مع أهل قريتها طماي الزهايرة؟
لم تنس أهل قريتها وكانت علاقتها بهم متميزة بهم للغاية.
هل تخلت في يوما من الأيام عن أهل قريتها؟
لم تتخل وتخلت، أي لم يكن أحد يطلب منها إلا وتعطى له ولكن بسبب انشغالها بالفن لم تكن تتواجد بقريتها، وكانت تعتبر أن مصر كلها بلدها وليس فقط قرية طماي الزهايرة، ولكن ظلت علاقتها بهم متميزة للغاية.
بعد نكسة 1967 كان لأم كلثوم دورا كبيرا في بناء الجيش من خلال جمع أموال حفلاتها لدعم مصر في تلك المرحلة.. كيف ترين هذا الموقف؟
أم كلثوم فنانة ومصرية حتى النخاع وساهمت في بناء الجيش، وفضلت بناء البلد والجيش والدفاع عن الوطن في تلك المرحلة الحرجة، وخصصت عائد الحفلات للجيش، فهي كانت تتمتع بالروح القتالية وهو ما جعل نجاحها مستمرا، ولم يكن لديها مستحيل في العمل وهو ما يجعلها تعيش حتى الآن بأغانيها مع المصريين والشعوب العربية.