المسرح الكنسى - أرشيفية

رسائل مقدسة فى محراب الإبداع.. المسرح الكنسى لمسة فنية داخل بيوت العبادة.. مهرجان ضخم وعشرات الفرق وأثر جمالى وروحى بين ملايين المسيحيين.. وهانى رمزى وماجد الكدوانى ولطفى لبيب أبرز الصاعدين من خشبات الكنائس

كتبت\هبه عبدالله

◄ كاتب مسلم يخدم فى مسارح الكنائس.. ناقد: لا يلقى الاهتمام الكافى.. الأب بطرس دانيال: استند للكتاب المقدس وقصص القديسين فى البداية ثم صار متنوعا

ما زال كثيرون ينظرون للدين من زاوية جافة؛ لذا قد يتصادم فى تصورهم مع الفن بما فيه من نداوة ورقة وإبداع؛ لكن ذلك لا ينطبق على المسرح الكنسى، الذى بدأ نشاطا لا ينفصل عن بيئته الروحية؛ ثم صار فنا كاملا يتوسل كل الأدوات الإبداعية والجمالية التى يعرفها أبو الفنون ويطوّرها منذ بدايته فى ساحات الإغريق والرومان.

يعود البعض بتاريخ المسرح إلى مصر القديمة، وقتما كانت بعض الطقوس الدينية تُؤدَّى بطابع درامى فى سراديب المعابد، وهو ما لا ينفصل عن الصيغة التى نشأ من خلالها مسرح الكنائس، إلى أن تطور اليوم وصار حركة فنية لها معالم واضحة، وموضوعات متنوعة، ونجوم يروحون ويجيئون بين الكنيسة والساحة الفنية، وبعضهم احترفوا وحققوا نجاحات بارزة.
المسرح الكنسى أحد أنشط الإنتاجات المصرية حاليا، واعتمد فى أوله على قصص الكتاب المقدس، ثم استلهام حياة القديسين والشهداء، وتطوّر ليتناول موضوعات اجتماعية وسياسية متنوعة، ولعله إلى اليوم إحدى أدوات الكنيسة فى التربية والتهذيب، وإشاعة روح المحبة والتعاون والعمل فى فريق، ويحظى بعناية خاصة من الآباء والكهنة، لكنه يمتد إلى خارج أسوار الكنيسة ويُشارك فى بعض المحافل العامة مثل المهرجان القومى للمسرح المصرى، ولا تخلو كثير من أعماله من قيمة فكرية وفنية يمكن التوقف عندها، وفى أجواء عيد الميلاد وما تحمله من قيمة روحية، نقترب بدرجة أكبر من «أبو الفنون» فى أروقة البيوت المقدسة، لا سيما وقد تضخّم حتى صار ينتج أكثر من 500 عرض سنويا، من خلال 313 فرقة ينخرط فيها 11 ألفا و400 ممثل وممثلة تقريبا.

البداية وتاريخ المسرح الكنسى

تعود بدايات المسرح الكنسى فى مصر لتاريخ وجود الإرساليات الأجنبية، إلا أن هناك مخطوطا يوضح أن الكنيسة القبطية كان بها مسرح مُتكامل بالقرن الرابع الميلادى، وتاريخيا كانت الكنيسة الإنجيلية أول من بدأت الفكرة فى مصر، وهو ما أكدته الباحثة مى محمد المرسى فى رسالة ماجستير بعنوان «المسرح الكنسى بمصر»، وأشارت إلى أنه قبل وجود محمد على، بدأت فكرة المسرح من خلال الكنيسة الكاثوليكية، ومن خلال الحملة الفرنسية كان هناك مسرح للجنود يقدم عروضا دينية، ومسرح العصور الوسطى كان دينيا فى الأساس، إذ تأثر الكتاب الإنجليز والفرنسيون بالمسرح الدينى، وبعد نابليون بونابرت ظهر تنافس بين فرنسا وإنجلترا، وتفوقت الأخيرة لأنها شيدت 37 مدرسة بدأ معها المسرح الدينى المقدم للأطفال من خلال موضوعات واحدة معالجة بشكل مختلف، كما كانت هناك فرق تجوب الشوارع.
وأوضحت أن مسرح الكنيسة تطوعى أو «خدمة» للدين والكنيسة دون مقابل، لكن بمنظور فنى متكامل ولا تفرقة بينه وبين المسرح العادى، والصعيد أكثر مكان تظهر به مسرحيات كنسية، وتحديدا أسيوط، وهناك فى الأقاليم أيضا كالمنصورة وطنطا، وتلتقى كل الفرق فى مهرجان الكرازة بالقاهرة.

الكنيسة فى المسرح أم المسرح فى الكنيسة

يرى الناقد والكاتب المسرحى إبراهيم الحسينى، أن المسرح الكنسى لم يُلقَ عليه الضوء بشكل كافٍ من خلال الإعلام والدراسات المُعمقة، وما يوجد مُجرد كتابات متناثرة لا تسمح بتكوين فكرة سليمة عنه؛ لذا فهناك فجوة كبيرة بين معرفتنا وتخيلنا وتحيزاتنا المسبقة، وبين واقع المسرح الكنسى فى حقيقته، فمعظم ما يعرفه عامةُ المشتغلين عنه أن هناك مسرحيات نادرة، وما كشفت عنه الدراسة يختلف تماما، بل يتضاد مع الفكرة الشائعة،
وأكد أن العاملين بالمسرح الكنسى يعتبرونه «خدمة»، أى أنه نوع من النشاط الخدمى أولا ثم «فن» فى المقام الثانى، لذا ستجد فنّانيه من مُخرجين وممثلين ومصممى ديكور خُدّام فى مجال المسرح، وهناك آخرون يخدمون فى مجالات أخرى بالكنيسة، و«الخدمة» ليست وظيفة ولا برُتب كهنوتية، لكنها عمل تطوّعى للتقرّب للرب؛ لذا ليس غريبًا أن يُميز المسرح الكنسى نفسه عن غيره بأن أفكاره تمتلئ بالوعظ والإرشاد والتوعية الدينية واستلهام حواديت وسِير القديسين والشهداء وتصوير آلام المسيح، وأول شروط اختيار المسرحيات الكنسية أن «يُوضع فى الاعتبار أن يُقدم العرض قيمة مسيحية أخلاقية، فكرية، مستمدة من روح كنيستنا، أو قيمة اجتماعية مع عدم التعرض لفكر وعقائد الآخر».
وأوضح الحسينى، أن المسرح ينتشر فى معظم كنائس مصر ومحافظاتها؛ حتى تجاوزت عروضه 200 سنويا، وهى العروض المُصعّدة للتسابق الختامى بمهرجان الكرازة فقط، ما يعنى إنتاج ضعف هذا العدد وربما أكثر، وتتم تصفيات التصعيد على مستوى الأحياء، ثم المحافظة، ثم الجمهورية، والتسابق بمهرجان الكرازة بدأ عام 2005 وما زال مستمرا، ولا يشمل المسرح فقط، بل يتجاوزه لكل الأنشطة الذهنية الإبداعية والعلمية، ما يعنى أن الكنيسة كيان روحى عام.
وأشار إلى أن من أهم خصائص مسرح الكنيسة أنه «عائلى»، لتوجهه لشعب الكنيسة فى المقام الأول، وبعض الزائرين والمدعوين المسلمين؛ لذا فالجمهور فى الغالب من القاطنين بنطاق الكنيسة الجغرافى، ومن عائلات صناع العروض، ويعتبرون العرض وعظا وترفيها فى آنٍ واحد.

مسلم فى خدمة المسرح الكنسى

المخرج والكاتب ناجى محمد عبدالله، أحد رواد المسرح الكنسى، ولعله المسلم الوحيد الذى يتعامل معه كخدمة، ويقول إن رحلته معه بدأت عام 1996، ومن وقتها يتعامل معه باستمرار، وبمنطق الخدمة، وهو أحد المصطلحات الكنسية ويُقصد به العمل دون أجر.
وأضاف أن تمويل المسرح الكنسى ذاتى مثل الفرق المستقلة، وهدفه خدمى، متابعا: «بدأت معهم من خلال ميشيل ماهر، فقد شاهدنى أُقدم عروضا للأطفال فى الثقافة الجماهيرية، فرشحنى فى أول عمل بكنيسة الأنبا أنطونيوس، وأعتبرها كنيستى الأم، وقدمت عرضا اسمه أحلام عن نص غير متداول للكاتب لينين الرملى، وحقق نجاحا كبيرا واستضافه مركز الهناجر، وبعدها قدمت عروضا فى أكثر من كنيسة».
وتجاوزت حصيلة ناجى عبدالله نحو 44 عرضا للكبار والأطفال، وشارك فى مسابقات أسقفية الشباب ومهرجان الكرازة، وهو أهم مهرجان مسرحى تنظمه الكنيسة، مشددا على أن المسرح الكنسى ليس دينيا فقط؛ لكنه متنوع، ولا يدعى أنه صاحب النهضة فى تحويله من الدينى للاجتماعى والسياسى.. مستطردا: «قدمت مسرحيات جريئة فى عهد الإخوان، منها مسرحية هردبيس، عبارة عن 6 لوحات تناقش قضايا اجتماعية، وكتبت جزءا ثانيا اسمه المحطة اللى مش جاية، فى فترة تغول الجماعة الإرهابية، وانتقدت الأوضاع وقتها، وما زالت تُعرض من خلال فرق عديدة»، مختتما بأمنيته أن تنتشر فكرة المسرح الكنسى فى أنحاء مصر، لأن فيه ميزةً رائعة تتمثل فى اكتشاف المواهب وإعداد الأطفال مبكرا.

حالة وعى وتفريغ لطاقات الشباب

وقال الأب بطرس دانيال، رئيس المركز الكاثوليكى للسينما، إن المسرح الكنسى بدأ بموضوعات دينية من الكتاب المقدس وقصص القديسين، ثم تطرق لموضوعات متنوعة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وإنسانيا، واهتم بالكوميديا أيضا، لافتا إلى أن هدفه الانتشار على نطاق واسع، ويشارك فيه مسلمون ومسيحيون، وقد قدّم المركز الكاثوليكى ما يُسمى «فرق الدراما»، وكان يُكرم الموهوبين، وكرم الفنان محمد صبحى معهم فى إحدى المرات فانبهر بحجم بالمواهب.
وأضاف أن المسرح الكنسى أنتج مخرجين وفنانين كبارا، منهم ماجد الكدوانى وهانى رمزى ولطفى لبيب وغيرهم، وكل الكنائس فيها مواهب عديدة، متابعا: «المسرح، والنشاط الفنى والثقافى عموما، يُحدث حالة من الوعى وتذوق الفن، ما يُعد إنسانا يشعر بقيمة الفن والإبداع، ويحفز الأهل على تشجيع أبنائهم، وهذا أمر فارق جدا بالنسبة للشباب، ويترك أثرا إيجابيا فى تكوينهم».
وتقول الفنانة هدى وجدى، إنها تعلمت فن المسرح فى الكنيسة، وأحبته من خلال عدة عروض قدمتها وانطلقت منها للخارج، وآخر عروضها كان على مسرح الهوسابير بعنوان «حكايات تاء مربوطة» عن قضايا المرأة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *