كتبت\هبه عبدالله
** السادات تبرع بجائزة نوبل وعائد كتابى “البحث عن الذات” و”وصيتى” لبناء منازل ميت أبو الكوم
** والدىرفض الانضمام لأي حزب سياسى خلال شبابه وقال لى “أنا أنتمى لبلدى فقط”
** السادات سجن عمى “عصمت” عندما حاول استغلال منصبه ووصف أفعاله بالصغائر
** والدى حاول التمثيل ليكون بعيدا عن أعين البوليس السياسي وقدم أدوار بالمسرح
** جيهان السادات لم تكن تغضب من الدعابة بين أم كلثوم ووالدى وكانت تقدر تقديره للفن والفنانين
** السادات كان يرتاح كثيرا للشعراوى وجمعتهما الصداقة قبل توليه الرئاسة
خلال حديثى مع السيدة رقية السادات بمناسبة الذكرى الـ105 لميلاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عاد بى الزمن 22 عاما، وبالتحديد عندما كنت مع أسرتى في بأحد المصايف وكان عمرى 9 سنوات حينها، وجدت إقبال كبير على السينما للدخول ومشاهدة فيلم “أيام السادات” للنجم أحمد زكى، حينها لم أكن أعرف من هو السادات، وسألت أسرتى عنه، فكان الرد أنه بطل حرب أكتوبر ومن حرر مصر من الاحتلال الإسرائيلي، في هذا العمر كنت أتردد على مكتبة الأسرة، طلبت من مشرفة المكتبة بأن تمدنى بكتب تتحدث عن السادات لأتعرف عليه أكثر.
هالنى كم الكتب التي تتحدث عن تلك الشخصية، بدأت تتشكل لدى انطباعات كثيرة عنه، هذه الشخصية التي اتسمت بالثورة والكفاح والنضال والاندفاع خلال شبابه، والتضحية واضطراره للاختفاء والاعتقال 3 مرات، ثم كم التحولات التي شهدتها تلك الشخصية ليصبح كما يطلق عليه البعض “داهية السياسة” ويتفاوض مع الإسرائيليين لاسترداد أرضه، عمل في كافة المهن خلال شبابه، سائق وعتال كي يهرب من البوليس السياسى، شخصية مفوهة يجيد اللغة العربية بإتقان كامل وفي ذات الوقت استغل فترة اعتقاله لتعلم اللغة الإنجليزية والألمانية والفارسية والفرنسية، ثم العمل صحفيا، والمشاركة في تأسيس جريدة الجمهورية، ويعمل بعدها أمينا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ونائبا بمجلس الأمة لرئيسا للمجلس، ثم نائب رئيس، ثم رئيسا للجمهورية في أصعب فترة في تاريخ مصر، ويحقق أكبر انتصار عسكري مصر في تاريخها الحديث، ويجرى مفاوضات سلام هي الأصعب ليتمكن من استرداد أرضه، حياة يحدوها ويتخللها الكثير من الصعاب والتحديات التي لم يكن التغلب عليها أمرا سهلا، بعدها بسنوات شاهدت فيلم “أيام السادات” ليزيد إعجابى بتلك الشخصية، السادات سواء كنت تحبه أو تكره فلا يمكن إلا أن تحترمه.
خلال حديثى مع الابنة الكبرى للرئيس الراحل، كانت متأثرة للغاية وهى تتحدث عن والدها، فيوم ميلاده تسترجع فيه الكثير من الذكريات الجميلة مع قدوتها الأولى فقد كانت أكثر أبنائه الذين كانا قريبين معه، لأنها أول فرحته كما كان يقول لها دائما، وحرصت خلال الحوار الرد على الكثير من الشائعات التي ترددت عن السادات وتوضيح الحقيقة، خاصة أن من تحدثوا عنه سواء بالإيجاب أو السلب كثيرين، والمعلومات عن تلك الشخصية التاريخية متناثرة ومتعددة، لذلك كان من المهم توضيح العديد من الأمور من خلال ابنته التي تحدثت عنها لأول مرة خلال حوار، بجانب الكثير من كواليس حياته، وإلى نص الحوار..
لنبدأ بذكرى الـ105 لميلاد الرئيس الراحل.. كيف تمر تلك الذكرى على عائلة السادات؟
ذكرى ميلاد واستشهاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تمر علي بصعوبة كبيرة، فأنا ابنته الكبيرة وأول فرحته كما كان يقول لي وصاحبته كثيرا وكنت من أكثر بناته قربا له، وبالتالي بالنسبة لى تكون هذه الذكرى مزعجة للغاية، وأحاول دائما أن أكون هادئة فيها ولكن يظل يوم 25 ديسمبر يوم مولده ويوم 6 أكتوبر يوم اغتياله يومين صعبين للغاية، كما أن ذكرى ميلاده وذكرى اغتياله يومان مميزان وملفتان.
رقية السادات
يوما ميلاد واغتيال الرئيس الراحل ملفتان؟
إذا نظرت إلى كف يديك اليمين واليسار، ستجد أن اليد اليمنى مكتوب عليها رقم “18”، واليد اليسرى مكتوب عليها رقم “81”، وفي ذات الوقت ستجد أن محمد أنور السادات ولد في عام 1918، واستشهد عام 1981، فهذا أمر مميز للغاية.
السادات اتسم خلال فترة شبابه بالنضال والاندفاع من أجل تحرير وطنه ولكن عندما أصبح رئيسا اتصف الحكمة والصبر في القرار كيف تحول من هذه الصفة لأخرى؟
بالفعل، والدى كان يتسم بالثورة والنضال والكفاح خلال فترة شبابه في الأربعينيات من القرن الماضي، ولكن أصبح حكيما ومفاوضا متميزا خلال رئاسته للجمهورية، وسبب هذا التحول هو المسئولية، حيث كان يحمل المسئولية بجدارة، فقد كان مسئولا عن شعب بالكامل والأمة العربية، وحاول أن يحصل على حقوق الفلسطينيين، فالفلسطينيين الآن لو وضع لهم كرسى في مؤتمر مينا هاوس لكان وضعهم تغير، لكنهم رفضوا أن يحضروا، فقد كان لديه بعد نظر كبير، ومن الصعب للغاية أن تجد شخص له بعد نظر بهذا الشكل حيث ينظر للمستقبل، واتسم السادات بالحكمة الشديدة والصبر خلال المفاوضات مع أصعب ناس يمكن التفاوض معهم، وكان ذلك من أجل أن تعود أرضه، فهو فلاح وبالنسبة له الأرض عرض، ولكن للأسف كانت جائزته أنه تم قتله.
محمد أنور السادات الرئيس الراحل
ما الفرق بين الرئيس السادات وبين السادات الإنسان؟
السادات الإنسان كان لديه الإنسانية طاغية للغاية، وسأذكر موقفا يدل على ذلك، فعندما حصل على جائزة نوبل وكان يحضر كتابين هما “البحث عن الذات”، ثم “وصيتى” وهذا مجهوده الشخصى، قرر أن المبلغ الخاص بجائزة نوبل وكان بالدولار والمبلغ الخاص بعوائد الكتابين يتم بها بناء بيوت الفلاحين في قرية ميت أبو الكوم بالمنوفية والتي كانت بـ”الطوب الني”، وقرر أن يتم بنائها بالطوب الأبيض من ماله الخاص، ولم تنعم أسرته بهذه الأموال والجائزة، بل فكر في الفلاحين في قريته لأنه نشأ وعاش بين الفلاحين ، وكان ينام بالقرب من الفرن في الشتاء من أجل التدفئة.
لنذهب إلى فترة نضال السادات وكفاحه في فترة الأربعينيات وكنت حينها أنت صغيرة للغاية.. هل تتذكرين كيف كانت تعيش أسرة الرئيس الراحل وعائلته خلال فترة نضاله في الأربعينيات ؟
عشنا حياة قاسية، وكان والدى يتخفى ويأتي لنا متخفيا في المنزل وكان يسمى نفسه :”الحاج نور الدين”، وحينها كان البوليس السياسى يطلب رأسه ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه من أجل مصر، فدائما كان يقول لنا إن مصر أغلى منا .
خلال كتابك “ابنته”.. تحدثت عن أنه كان يذهب كثيرا لمنزل عزيز باشا المصرى.. كيف كانت علاقته به وهل تأثر السادات بسياسيين بعينهم خلال فترة كفاحه في الأربعينيات؟
لا.. لم يكن هناك علاقة له سوى عزيز باشا المصرى، حيث تأثر به ولم يتأثر بأي أحد أخر من السياسيين في تلك الفترة، وأتذكر أنه كان يذهب بفيلا عزيز باشا المصرى وكان يأخذنى معه، وكان عمرى حينها 4 سنوات، وأتذكر أنه كان يجعلنى أقفز من سور الفيلا أدخل معه إلى عزيز باشا المصرى، وظلت علاقته به قوية حتى وفاة الأخير، ومن بين الشخصيات التي ظل على علاقة به الرئيس الأسبق محمد نجيب، فوالدى كان يعطف عليه حتى استشهاده، فرغم أن محمد نجيب كان يوجد في مقر إقامة جبرية، ولكن والدى رحمه الله كان يرسل له أموالا وكافة احتياجات، وكان قصر زينب الوكيل عبارة عن حيطان فقط فكان يرسل له مرتب خاص دون أن يعرف أحد ويرسل له احتياجاته كلها، وعندما توفى جمال عبد الناصر، فأول قرارات السادات كان نقل محمد نجيب من قصر زينب الوكيل إلى مستشفى المعادي، كان لدى السادات صفة الوفاء وشهامة المصريين.
عزيز باشا المصرى
لماذا لم ينتم السادات خلال فترة شبابه لأي حزب سياسى رغم اهتمامه بالعمل السياسى والنضالى؟
والدى بالفعل لم ينتم لأي حزب سياسى، كان ضد الملك والإنجليز وكان ذلك يجعله مشغولا عن الانتماء إلى حزب سياسى وظل هذا نهجه وظل محايدا ولم ينتم لأحزب سياسى خلال فترة كفاحه في الأربعينيات.
فى أحد المرات سألته لماذا لم تنتم لحزب سياسى فكان رده ” أنا انتمى لمصر ولا أنتمي لفرد ، والأحزاب يشكلها أفراد ولكن أنا انتمى للبلد التي عشت فيها وأدافع عنها وأصونها”.
خلال فترة الأربعينيات أيضا حدث الانفصال بين السادات وزوجته السيدة إقبال.. وخلال كتابك ذكرت أن السبب كان تدخل الأهل كيف كان ذلك؟
بالفعل سبب الانفصال كان تدخل الأهل سواء من ناحية والدتى السيدة إقبال، أو من طرف والدى وبالتحديد جدى محمد حيث تدخل أيضا في حياتهما، فقد كنا نعيش في بيت جدي وكان بيت كبير بحديقة وكنا نعيش في الدور الأول، وجدى كان يحب العزوة ويعيش معه أبنائه في نفس المنزل، وكان يعيش معنا عمي عفت، وكذلك عمي عاطف الذي استشهد في حرب 6 أكتوبر، وكنت أقول له “عم عاطف” فيقول لى “أبلة رقية” لأننى حضرت ولادته، وكانت العائلة بها دفء كبير، ولكن بالفعل سبب الانفصال بين والدى ووالدتى كان تدخلات الأهل.
في كتابك “ابنته” تتحدثين عن أنه نصحك بأن حياتك مع زوجك لا يجب أن تخرج خارج منزلكما وأن حياتكما لابد أن تكون سرا دون تدخلات أحد.. هل أراد السادات ألا يحدث مع أبنائه مع حدث له مع زوجته الأولى ؟
نعم بالفعل. تدخل الأهل كان السبب كما ذكرت في الانفصال، ولكن لم يحب أن يحدث هذا ما بناته، وأتذكر نصيحته جيدا حيث قال لى “أي شيء يحدث في الشقة ممنوع يخرج خارج منزلك”، فقلت له “حتى أنت يا بابا”، فقال لى “حتى أنا”، فكان لديه حكمة شديدة.
السيدة إقبال عندما تزوجها الرئيس الراحل كانت ابنة عمدة القرية.. هل ما جذبها للسادات أنه كان طموحا ومتعلما في وقت لم يكن فيه عدد المتعلمين في القرى كثيرا؟
هذا صحيحا.. والدتى كانت ابنة عمدة “محمد بك ماضى”، وحصل على البكوية حينها من الخديدوى عباس ، وفي تلك الفترة كان من النادر أن نجد متعلمين في القرى المصرية، وكان والدى شخصية طموحة ومتعلمة، وعائلة السادات أيضا كانت عائلة كبيرة في ميت أبو الكوم، فقد كانت عائلة والدى وعائلة والدتى من أكبر العائلات في القرية، وأبرز ما لفت نظر والدتى في والدى خلال شبابه هو ثقافته وطموحه .
هل ظل على تواصل مع السيدة إقبال بعد الطلاق؟
ظل على تواصل مع السيدة إقبال وظل الود بينهما بعد الانفصال، وظل يصرف على البيت، وتحولت علاقتهما لصداقة ومراعاة أولاده، وكان السادات يحترم والدتى للغاية، وكنا نعيش في ميت أبو الكوم، وكان لنا عزوة في ميت أبو الكوم لأننا كنا من أكبر العائلات، ووالدى أكرم والدتى كثيرا بعد الانفصال وخصص لها معاش باسمه، واذكر حينها أنه استدعانى وقال لى ” يا راكا يا بنتى أنا عملت مرسوم معاش باسمى لوالدتك على أنها زوجتى” وكانت والدتى تصرف المعاش الخاص به، كان معاشها أكبر من معاشنا ، فقد كان هناك وفاء ورجولة ورغم الانفصال ظل الود، فأنور السادات كان إنسان وكان يترفع عن الصغائر .
السادات كان يتعامل مع عائلته باعتباره كبير العائلة والبعض يتحدث أنه ساعد أشقائه وشقيقاته ؟
والدى لم يكن كبير العائلة، فكان قبله عمي طلعت هو أكبر من والدى ثم والدى ثم عمي عصمت، ولكن السادات كان كبير العائلة وكان يتولى عائلته وأشقائه وتولى تعليم أشقائه وقال لوالده “بعد أذنك أنا المسئول عن أخواتى وظل مسئول عنهم”، وعلاقته كانت قوية للغاية بكل أشقائه، وأتذكر عمي عاطف رحمه الله عندما استشهد في حرب أكتوبر وكان والدى حينها في غرفة العمليات، وطلبت أن اتحدث معه وقالوا لى سيتحدث معك بعد ساعتين، وبالفعل كلمنى بعد ساعتين وقلت له “يا بابا عم عاطف استشهد” وكنت حزينة للغاية، فكان رده ” لا يعز على ربه وهو مات موتة مشرفة وستفخرين بعمك “.
حديثنا عن محاولات بعض أفراد أسرة الرئيس الراحل استغلال موقع السادات تدخله لوقف ذلك؟
نعم حدث ذلك واستغل بعض أشقائه منصب أبى، ورفض أبى هذا الأمر بل وسجن عمي عصمت عندما حاول استغلال منصب أبى وتصرف تصرفات مخلة وأمر السادات بسجنه، وكان يصف هذه الأمور بفعل الصغار وأنا عاصرت كل هذه الأشياء ولم يحكيها لي أحد بل عاصرتها.
بعد دخول الرئيس الراحل بالسياسة وانشغاله بالمناصب العديدة سواء بمجلس الأمة أو نائب رئيس جمهورية ثم رئيس للجمهورية كيف كان يتعامل مع عائلته؟
لم يبتعد عن عائلته مطلقا ولم تشغله السياسة عنا ، وأتذكر أنه عندما أسس جريدة الجمهورية كنت عندما تنتهى المدرسة وأنتهى من أداء الواجب وأذهب على جريدة الجمهورية للقاء والدى ولم يقل لى أبدا أنه مشغول، بل في إحدى المرات شاهدت الفنانة ليلى مراد كانت تأتى له وتشتكى زوجها الذي كان يرفض الاعتراف بابنها وتدخل والدى بالفعل وجعله يعترف بابنه، فكان له مواقف إنسانية كثيرة، وعندما أصبح رئيسا للجمهورية لم ينشغل عن أبنائه وكان يزورنا ويطمئن علينا دائما.
الرئيس الراحل كان له ولد واحد و5 بنات ..هل كان هناك تمييز بين الولد والبنات؟
لا على الإطلاق.. لم يميز جمال عن باقى بناته بل كان يشد على ابنه الوحيد جمال من أجل أن يكون مسئول، ولكن لم يميزه على الإطلاق.
الرئيس الراحل أنور السادات وزوجته
هل كان هناك أبناء أقرب له من آخرين؟
لا.. لكن كان هناك درجات تفاهم مختلفة بينه وبين أبنائه، فأنا عشت معه أكثر من باقى أشقائى، واكتسبت منه أشياء كثيرة، فمنذ صغرى وأنا متعلقة به، – وتقول وهى تمزح – بل كانت والدتى والسيدة جيهان السادات يغضبان من تعلقى الشديد به وكنت أنا ووالدى نتحدث بأعيننا ولا يفهما أحد.
ما هي أبرز النصائح التي كان يقولها السادات لأبنائه وعائلته؟
نصائحه دائما كانت ألا نتعالى وكل إنسان يعرف حجم نفسه ويحافظ على بلده واسمه بالتصرفات وليس بالكلام.
رغم أن السادات ينتمى للقرية وكان يفتخر بأنه فلاح ولكن هذا لم يجعله متشددا بل إن زوجته جيهان السادات بدون حجاب ما تعلقيك؟
السادات كان متحضرا والحضارة ليس معاناه الانفلات ولكن الحفاظ على قيمك وأخلاقك، وفلا تشغله مناصب بل كان دائما يفخر بأنه فلاح، ولكن كان متحضرا ويهتم كثيرا بدور المرأة، ووالدتى أيضا لم تكن محجبة وفي النهاية تحجبت وكذلك السيدة جيهان السادات لم تكن محجبة، فلم يكن يجبر أحد على شيء، وكان مفهومه أن السيدة تساند الرجل بتربية الأولاد ولا يمنعها من تحقيق ذاتها .
السادات لم يسر على نهج جمال عبد الناصر في إبعاد زوجته عن المشهد بل كان أول رئيس يجعل من زوجته السيدة الأولى وكان لها دور كبير في المشهد .. فما تعلقيك؟
السيدة تحية كاظم لم يكن لها عمل نسائى وطنى، وكانت هذه طبيعتها وطبيعة عمي جمال عبد الناصر، وكل شخص له طباعه وأسلوبه ومفاهيمه في الحياة، والسيدة جيهان السادات لها دورا كبير، ووالدى كان يرى المرأة عمود البيت وكذلك لها الحق في تحقيق ذاتها ولم يعترض على دور السيدة جيهان السادات بل كان يؤمن بقيمة وأهمية المرأة في المجتمع.
الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته جيهان
لنذهب إلى علاقة الرئيس الراحل بالفن.. ما حقيقة أن الرئيس السادات أراد في بداية شبابه أن يكون فنانا وبالفعل أرسل طلب لأمينة محمد ليكون فنانا ورفضت أن يأخذ البطولة هل هذا حقيقى؟
هذا حقيقى بالفعل تقدم والدى بطلب للتمثيل لأمينة محمد ولكن ليس من أجل أن يكون فنانا ولكن هذا كان تمويه من أجل الابتعاد عن أعين البوليس السياسى ويهرب من الرقابة التي كانت مفروضة عليه، وبالفعل ذهب والدى للمسرح وأدى بعض الأدوار في المسرح من أجل أن يبعد أعين البوليس السياسى عنه خلال فترة كفاحه ضد الإنجليز.
هل تتذكرين من الفنانين الذين قدم السادات أدوار فنية معهم في المسرح؟
لا أعلم.
ظل الرئيس السادات محبا للفن بل وخصص عيدا للفن وكرم زينات صدقى التي ظلت مهمة لسنوات كيف كانت رؤيته للفنانين ؟
بالفعل، كان مهتما بالفن والفنانين وكان فنانا حتى في السياسة، فعندما أدار حكمه كان فنان سياسى وكان يحترم الفن والفنانين، وكان يحب اسمهان وفريد الأطرش ويحب أفلامهما وأغانيهما كثيرا ويذهب للسينما خلال فترة شبابه لرؤية أفلامهم، بل أتذكر إنه في إحدى المرات عندما خرج من المعتقل وكان بيتنا في كوبرى القبة، عاد للمنزل وأخذنى وذهبنا سينما مصر لمشاهدة فيلم “غرام وانتقام” للفنانة اسمهان والتي تغنى فيه أغنية “قهوة”.
مَن من الفنانين كان قريبا من السادات؟
لم يكن هناك فنان بذاته قريب منه ولكن كان يحب اسمهان وفريد الأطرش، وكان يحترم الفن، وكرم الفنانين وخصص لهم عيد الفن وكان دائما يسأل عن الفنانين القدامى وخصص معاش استثنائى للفنانة زينات صدقى، وكان يقدر الفن البناء وليس الهابط.
ما هو سر إعجاب السادات بعازف الجيتار عمر خورشيد؟
كان والدى معجب بعمر خورشيد، وخلال زيارة والدى للولايات المتحدة وكان في البيت الأبيض حينها وكان سيتم تنظيم حفلة في البيت الأبيض، فأراد والدى أن يطعم الحفلة بشئ مصري، وكان معجبا بعمر خورشيد فدعاه لحضور الحفلة وأداء عزف جيتار خلال الحفلة.
دائما ما كنا نسمع عن الدعابة بين الرئيس الراحل وبين أم كلثوم والبعض ذكر أن السيدة جيهان السادات كانت تغضب من ذلك.. هل هذا حقيقي؟
علاقة والدى بأم كلثوم كانت قوية للغاية، وبالفعل كان عندما يلتقى بها في أي مناسبة يكون هناك دعابة بينهما، وكانت تسلم عليه بـ”أبو الأنوار”، بل إن أم كلثوم كانت تغير للغاية من حب والدى لأسمهان .
وهل كانت تغضب السيدة جيهان السادات من هذه الدعاية؟
لا .. لم تغضب أبدا من دعابة أم كلثوم مع والدى، لأنها كانت ترى أن أم كلثوم مثل والدتها، وكانت جيهان السادات تقدر حب والدى للفن وتقديره للفنانين.
وما هي علاقته ببليغ حمدى الذي كلفه بتلحين ابتهال لسيد النقشبندي ونتج من خلالها رائعة “مولاي”؟
بليغ حمدى كان يذهب لوالدي ويعزف له في قرية ميت أبو الكوم، وبليغ حمدى هو من عرف والدي بسيد النقشبندي، وأبى هو من أقنع النقشبندي بأن يلحن له بليغ حمدى ابتهال مولاي، وحينها قال له والدى إنه يرى النقشبندي في السيد البدوى، حيث كان والدى كثيرا ما يذهب إلى السيد البدوي ويتبارك به، وأتذكر أنه قبل حرب 6 أكتوبر ذهب والدى للسيد البدوى وتبارك به ودائما ما كان يذهب إليه، وكان يعرف أن النقشبندى يجلس في السيد البدوى.
هل كان السادات يحب سماع الابتهالات؟
بالطبع.. كان يحب الابتهالات الدينية للغاية، ووالدى ختم القرآن 16 مرة، وكان في رمضان يعتكف في قرية ميت أبو الكوم، كما أنشأ وادى الراحة وعندما استملنا شرم الشيخ، كان يجلس في وادى الراحة وكانت الاستراحة عبارة عن كشك بالخشب وليست استراحة رئيس جمهورية وكان يعتكف هناك كثيرا.
وإذا انتقلنا إلى علاقة السادات بالمثقفين خاصة أنه في عهده كان هناك قامات ثقافية كبيرة .. كيف كانت علاقته بهم؟
كان يحترمهم كثيرا ويحبوه ويقدرهم ويجلس معهم كثيرا.
جلال أمين في إحدى مقالته قال إن السادات كان يقع بسهولة فى إغراءات الحياة اليومية ومظاهرها ويفضل جلسات السمر على الحوارات مع المثقفين.. ما هو ردك على هذا الأمر؟
لا بالعكس هذا افتراء.. فالسادات كان دائما يجمع المثقفين معه ويتحدث معهم ويناقشهم ويجب جلساتهم.
هل كان هناك روايات وكتب يفضل السادات قراءاتها ..ومن هم الكتاب الذين كان يحب السادات القراءة لهم خاصة أنه كان كاتبا؟
لم يصادفنى هذا الأمر .. بل كان دائما كنت أراه يقرأ القرآن .
السادات عاصر مجموعة كبيرة من كبار المثقفين كنجيب محفوظ ويوسف السباعى ومصطفى محمود وزكى نجيب محمود ويوسف أدريس هل كان هناك شخصيات منهم قريبة منه؟
علاقته جيدة بهم جميعا وكانت هناك علاقة حميمية بينه وبين يوسف السباعى وكذلك مصطفى محمود وكان يقدر المثقفين للغاية.
وماذا عن علاقة السادات بالشيخ الشعراوى ؟
العلاقة بنيهما كانت متميزة للغاية، كانا صديقين قبل أن يكون والدى رئيسا للجمهورية، وكان السادات يرتاح كثيرا للشيخ محمد متولى الشعراوى لذلك كان الشعراوى وزيرا للأوقاف في عهد والدى، وكان قريبين للغاية من بعضهما.
وإذا انتقلنا إلى المجال الرياضى .. ما هي علاقة الرئيس الراحل بالرياضة؟
والدى كان يحب المشي كثيرا، وكان يحب أن يمشى والعصاة تحت الإبط، وهى نفس طريقة مشى عزيز باشا المصرى، وكان والدى يحب المشي كثيرا، فهذه كانت الرياضة المحببة له.
هل كان السادات يحب كرة القدم ويشجع فرق بعينها؟
لا .. لم يكن يشجع كرة القدم، ولكن كان يحب المشي كثيرا كما ذكرت .
هل سعى السادات لتعليم أبنائه رياضة المشي؟
لا.. لم يورثها لأحد من أبنائه ولم يجبرنا على شيء، فنحن كنا نعتبر والدى قدوة لنا وكنا نقتدى به بالأشياء التي نحب أن نقتدى به بها، فكل ابن من أبنائه كان يحب والدى بطريقته ولكن لم يجبرنا والدى على فعل ما يجب فعله على الإطلاق.
لنذهب إلى المحور الأخير وهو علاقة السادات بجمال عبد الناصر وهيكل.. كيف ترين محاولة البعض تشويه علاقة السادات بعبد الناصر والحديث عن أن بطل الحرب والسلام تخلص من رجال عبد الناصر ولم يكن يحب الشعبية الكبيرة التي تمتع بها الأخير؟
لا بالعكس.. السادات كان يحب جمال عبد الناصر للغاية، وكانت تجمعهما أخوة حقيقية، بل إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان جار لنا في كوبرى القبة عندما كان منزلها هناك، وعندما عاد والدى من الجيش ونقل إلى رفح كان يرسل لنا الجوابات مع “عم جمال” والذي كان ينادي علي كى أحصل على جوابات أبى ويطلب منى أن أكتب له جوابا ليرسله لوالدى، ومحاولات تشويه العلاقة بين عبد الناصر والسادات كانت من قبل مغرضين من حاشية جمال عبد الناصر، الذين حاولوا الإيقاع بينهما وكانوا حاقدين على العلاقة بينهما وجمال عبد الناصر غير مسئول عن أفعالهم.
جمال عبد الناصر والسادات
هل هذا يرد على هذه الشائعات كتاب السادات لابنه ” يا جمال هذا عمك جمال؟
بالطبع وهو الكتاب الذي أهداه والدى إلى ابنه فور ولاته يحكى فيه عن علاقته بجمال عبد الناصر، وأنا أشهد على العلاقة الجيدة بين جمال عبد الناصر والسادات منذ صغرى، بل إن أبناء جمال عبدالناصر كانوا معنا في المدرية والعلاقة بين الأسرتين كانت متينة، ولكن حاشية جمال عبد الناصر كانت تغير من علاقة عبد الناصر بالسادات ولم يستطيعون إفسادها .
ما قصة تمثال جمال عبد الناصر الذي أهداه السادات لك؟
نعم.. لقد أهدانى والدى خلال زواجى تمثال للرئيس الراحل جمال عبد الناصر لاحتفظ به في المنزل، بل وطلب منى أن أضعه في صالة المنزل بحيث ياشهده الضيوف بمجرد دخولهم منزلى، فقد كان يحب عندما يأتي والدى لزيارتى في منزل الزوجية أن يشاهد تمثل جمال عبد الناصر وهو ما يكشف حبه الشديد له.
الكاتب محمد حسنين هيكل يقول في كتابه “خريف الغضب” عن علاقة السادات بجمال عبد الناصر “فى هذه الأوقات الصعبة زاد السادات قربًا من جمال عبدالناصر وكان بيت السادات فى الهرم هو المكان الوحيد الذى يستطيع فيه جمال عبدالناصر أن يذهب لكى يقضى بين حين وآخر ساعات مع صديق لم يكن يضغط على أعصابه بإثارة مناقشات سياسية أو عسكرية ملحة”.. ما هي قصة هذه اللقاءات؟
ما قاله محمد حسنين هيكل صحيح، فقبل أن ينتقل السادات إلى منزل بالجيزة كان لديه منزل في الهرم وكان جمال عبد الناصر دائم زيارته فيه وشاهده كثيرا هناك، وكانت لقاءات إنسانية وليست سياسية، والعلاقة بينهما كانت قوة للغاية كما ذكرت، بل عندما حدث خلاف بين السادات وجمال عبد الناصر عندما كان السادات نائبا للرئيس، ذهب والدى إلى ميت أبو الكوم البلد، وذهب له جمال عبد الناصر ليصالحه وكنت موجودة في ميت أبو الكوم خلال هذا اللقاء، وكان جمال عبد الناصر يقنع والدى بأن يتراجع عن قراره بالاستقالة من منصب نائب الرئيس، وحينها كان هناك مؤتمر للقمة العربية منعقد في الهيلتون، وحينها قال جمال عبد الناصر لوالدى إنه سيقبل استقالته بشرط أن يحضر معه القمة العربية، وقال له والدى حينها أنه سيحضر ثم سيعود بعدها لبلده ميت أبو الكوم، ولكن ما حدث أنه عندما كان جمال عبد الناصر يودع أمير الكويت وتوفى ووالدى كان النائب وحينها تولى رئاسة مصر، وظلت العلاقة بين السادات وعبد الناصر قوية طوال حياة جمال عبد الناصر.
هذا يعنى أن السادات لم يسع أبدا للسلطة؟
لا ..على الإطلاق.. والدى لم يسعى للسلطة أبدا بل كان يخدم مصر من أي موقف لحبه لبلده كثيرا.
الكاتب الصحفي الراحل عبد الله إمام تحدث عن أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات خلال اجتماعات الضباط الأحرار كان يؤدى بعض المشاهد التمثيلية وكان هذا يغضب عبد الناصر.. هل هذا حقيقي؟
ليس حقيقيا على الإطلاق بل هذا افتراء، وكما قولت فالمسرح والفن أخذها والدى ستار لما يفعله من نضال حتى لا يتم إلقاء القبض عليه، وكان يريد أن يوهم البوليس السياسى أنه ترك السياسة وذهب للتمثيل.
رغم علاقة الصداقة التي ربطت السادات بهيكل…لماذا تحولت الصداقة الى خلاف سياسي؟
الكاتب محمد حسنين هيكل كان له مفهوم معين ولم يرضى عنه والدى وتجنبه، ووالدى عرض على هيكل منصب وزير أو منصب مستشار له وهيكل هو من رفض، هيكل توقع أن السادات سيكون لعبة في يديه ولكن وجد العكس، فجمال عبد الناصر كان شخصية والسادات كان شخصية أخرى، وليس معنى أن هيكل كان قريبا للغاية من عبد الناصر أنه يكون قريبا للغاية بالسادات.
في النهاية.. ما تعليقك على ما صدر مؤخرا من تصريحات من أحد السياسيين بأن جمال عبد الناصر عندما كان يزور السادات في منزله كان السادات يقدم له “درينك”؟
ليس صحيحا أيضا وهو افتراء، ونحن لن نحاسب كل شخص على وجهة نظره بل نقول واقع وتاريخ الشخص الذي يتحدث عنه والشعب هو من يقرر طبيعة تلك الشخصية.