كتب\هشام الفخراني
كشفت دراسة حديثة للمركز المصري للفكر والدراسات أن نسب التصويت المعلنة من قبل عدد من اللجان العامة في مختلف محافظات الجمهورية، والتي تم رفع محاضر الفرز الخاصة بها إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، تشير إلى أن معدلات المشاركة والتصويت في الانتخابات الرئاسية 2024 تجاوزت نظيرتها في الاستحقاقات الدستورية السابقة، سواء انتخابات رئاسية أو نيابية أو استفتاءات وطنية؛ وفاقت نسبة المشاركة في الانتخابات الحالية كل التوقعات التي توقفت عند مستوى 45 : 50% في أفضل الظروف لعدة أسباب، يمكن تحديد أبرزها فيما يلي:
إظهار حالة الاصطفاف الوطني خلف مؤسسات الدولة وقيادتها السياسية لمواجهة التحديات الإقليمية وحفظ الأمن القومي المصري، فقد مثّلت التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة الأولوية الأبرز ضمن شواغل الشارع المصري على مدار أكثر من شهرين؛ واستشعر المصريون الخطر الحقيقي الناجم عن الضغوط الأمريكية والأوروبية لتنفيذ سيناريو تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما وضح جلياً في رفض لولايات المتحدة ومن ورائها عدد من دول أوروبا كل محاولات وقف إطلاق النار أو التهدئة في المحافل الدولية. لذلك، خرجت الملايين لتؤكد على رسالة صريحة للخارج مضمونها أن “وحدة الصف المصري غير قابلة للاختراق”.
الأثر الإيجابي للمشروع القومي “حياة كريمة” على ملايين المواطنين في الريف المصري، فقد انتهت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية من تنفيذ مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية في أكثر من 1400 قرية وتوابعهم، وبدأت في تطوير قرى المرحلة الثانية، الأمر الذي انعكس على جودة حياة المواطنين في معظم أنحاء الجمهورية، ليستشعر المصريون وجود “مشروع وطني” للدولة المصرية لابد أن يكتمل، فخرجت الملايين مدفوعة برغبتها في الحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال تسع سنوات كاملة.
ارتفاع معدلات الوعي السياسي لدى المواطنين خاصةً بين فئة الشباب، حيث بلغ عدد الذين يحق لهم التصويت لأول مرة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة حوالي 5 ملايين شاب وفتاة، وغالباً ما تكون هذه الفئة أكثر وعياً بحقها الدستوري في الإدلاء بأصواتهم، وأكثر دافعية للتصويت، نظراً لتطور المستوى التعليمي والثقافي للأجيال الجديدة، وقد ساهم في زيادة وعي الشباب بالحقوق السياسية وضرورة المشاركة بإيجابية عدد من العوامل، أبرزها: اهتمام القيادة السياسية بفئة الشباب وتمكينهم سياسياً واجتماعياً خلال السنوات التسع الماضية، وزيادة عدد البرامج الموجهة للشباب سواء من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية أو وزارة التخطيط أو الشباب والرياضة أو التعليم العالي والتربية والتعليم، وفتح باب التطوع على مصراعيه خلال الفترة الأخيرة من خلال مؤسسة حياة كريمة أو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، بما انعكس إيجاباً على مشاركة الشباب في الحياة العامة وتنمية مجتمعاتهم المحلية.
تعددية الانتخابات الحالية وقدرة الأحزاب السياسية المختلفة على المشاركة بفاعلية في المشهد الانتخابي، حيث ضمت الانتخابات 3 مرشحين بخلفيات حزبية مختلفة، ودعمت أحزاب أخرى ترشح عبد الفتاح السيسي الذي لا ينتمي لحزب سياسي وقرر خوض الانتخابات بصفته المستقلة؛ المرشح حازم عمر حظي بدعم كبير من حزب الشعب الجمهوري الذي يتمتع بقاعدة شعبية مكنته من حصد 50 مقعداً في مجلس النواب، ما يعني قدرته على حشد المواطنين للتصويت بعد أن نشر برنامجاً انتخابياً قائماً على 3 محاور اقتصادي واجتماعي وسياسي وتمكن من الوصول إلى عدد كبير من المواطنين من خلال التحركات الميدانية والتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. أما المرشح عبد السند يمامة، فتمتع بدعم القاعدة الشعبية لحزب الوفد الذي يعد أعرق الأحزاب السياسية في مصر، وقد عملت حملته الانتخابية على الحشد والتصويت لصالحه؛ وقد تمكن المرشح فريد زهران نت تقديم نفسه ممثلاً عن أحزاب المعارضة، حيث يترأس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وسانده عدد من أحزاب المعارضة في حملته، ودعموا برنامجه الانتخابي، الأمر الذي قد يكون قد ساهم في رفع مستوى الحشد الجماهيري على الأرض لصالح المرشح. أما النصيب الأكبر من الحشد فقد كان من نصيب الأحزاب الداعمة للقيادة السياسية، والتي كان من أبرزها حزب مستقبل وطن وحزب حماة الوطن الذين استمرا في عقد لقاءات جماهيرية طوال فترة الاستعداد للسباق الانتخابي، ساهمت في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين والتأكيد على ضرورة المشاركة الإيجابية في الانتخابات الرئاسية.
احترافية الهيئة الوطنية للانتخابات في إدارة المشهد الانتخابي، حيث راعت الهيئة جميع الفئات أثناء التحضير لعملية التصويت، وابتعت آليات جديدة لضمان حصول كل مواطن على حقه الدستوري في التصويت، فاستحدثت بطاقات بطريقة برايل لفاقدي البصر، وجهزت اللجان بكل الوسائل المساعدة لذوي الإعاقة والبالغ عددهم حوالي 10 ملايين مواطن، وكبار السن، وجهزت لجان المغتربين بشكل يسمح للجميع بالتصويت والتغلب على عائق المسافة بين الناخب ولجنته الانتخابية، وتمكنت من تذليل كافة العقبات اللوجستية بما في ذلك توفير بطاقات وصناديق الاقتراع والأحبار الفوسفورية في اللجان التي شهدت إقبالاً يزيد عن النسبة المتوقعة. أيضاً، كانت الهيئة على اتصال دائم مع المواطنين ووسائل الإعلام المحلية والدولية لتوضيح أبرز المستجدات على مدار اليوم الانتخابي وطمأنة الجميع حول سير العملية الانتخابية بما يؤكد على الشفافية والنزاهة التي تمتعت بها العملية الانتخابية.
الملاحظة الأخيرة في هذا الشأن هي أن وسائل الإعلام أيضاً قد تكون قد لعبت دوراً في زيادة نسبة التصويت مع التزام الحياد التام، حيث نقلت القنوات الإخبارية بشكل مباشر الزحام أمام مقار اللجان الانتخابية في كل مكان، ونقلت صورة حضارية لسير العملية الانتخابية، الأمر الذي قد يكون قد مثّل حافزاً للمواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية وتفعيل حقهم الدستوري في التصويت.