قطاع غزة

القصف الوحشى أداة الاحتلال لتنفيذ مخطط التهجير.. إسرائيل تمارس إرهابها على سكان غزة لإجبارهم على الهجرة لسيناء.. والهدف تصفية القضية وإعادة الفوضى في الشرق الأوسط.. وتعامل الغرب مع ملف اللاجئين يكشف ازدواجيتهم

كتبت\هبه عبدالله

انتهاكات متواترة، ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ ما يقرب من شهر، شهدت قصفا للمنازل ودور العبادة والمستشفيات، وأسفرت عن مقتل آلاف البشر من سكان غزة، معظمهم من النساء والأطفال، بينما تزامنت في الوقت نفسه مع دعوات مشبوهة تبنتها الدولة العبرية بتهجير أهالي القطاع إلى دول الجوار، وفي القلب منها سيناء في مصر، وهو ما يعكس أن ثمة ارتباطا بين الهجمات الوحشية، التي تشنها إسرائيل من جانب، والدعوات التي أطلقتها من جانب أخر، حيث تهدف الأولى إلى إجبار سكان القطاع إلى الرحيل من أراضيهم، في إطار محاولة حثيثة لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تقويض حل الدولتين، وذلك بتجريد الدولة المنشودة من سكانها.

ولعل الانتهاكات الإسرائيلية لم تقتصر على القصف الوحشى للمدنيين، وإنما امتدت إلى إرهابهم بالتصريحات العشوائية، والتي تصل إلى درجة الجنون، على غرار ما أدلى به أحد الوزراء الإسرائيليين، حول استخدام القنابل النووية في قصف القطاع، ناهيك عن الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة العبرية لمنع دخول المساعدات، وكذلك ملاحقة الجرحى الفلسطينيين، إبان نقلهم إلى الأراضى المصرية، لتلقى العلاج، وهو ما يمثل محاولة صريحة لترويعهم، وإجبارهم على اتخاذ القرار بالرحيل من بلدانهم، إلى دول الجوار، مما يساهم في تحقيق الهدف الأساسي للحرب الدائرة الآن في القطاع، وهو إنهاء أي أمل في تأسيس دولة فلسطين، وهو ما أدركته مصر مبكرا، عندما أعلنت رفضها المطلق لدعوات التهجير.

وفي الواقع فإن تهجير الفلسطينيين، يمثل ميزة مزدوجة لإسرائيل، من خلال تصفية القضية، عبر تجريد الدولة المنشودة من شعبها، على النحو سالف الذكر، بينما يقدم في الوقت نفسه فرصة استثنائية، لـ”إعادة تدوير” الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقا من دول الجوار، عبر نقل الصراع من الأرض المتنازع عليها، وهي أرض فلسطين المحتلة، إلى مناطق جغرافية أخرى، وهو ما يمثل تهديدا صريحا لأمنهم، وبالتالي تقويض أي نفوذ تحظى به القوى الإقليمية المناوئة للدولة العبرية، فتخلو لها الساحة بدعم الغرب لمزيد من السيطرة والنفوذ، إلى الحد الذي يتجاوز فلسطين، إلى نطاق أكثر اتساعا.

الرفض المصري للدعوات الإسرائيلية بدا قاطعا على العديد من المسارات، أولها على المستوى الرسمي، عبر قمة “القاهرة للسلام”، والتي أكدت خلالها موقفها بحسم وحزم، دون مواربة، بالإضافة إلى اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع قادة وزعماء الدول الأخرى، بينما تحركت، في المسار الثاني، على المستوى الإنساني عبر فرض كلمتها فيما يتعلق بدخول المساعدات، في حين أعلنت استقبالها الجرحى الفلسطينيين على أراضيها، لتلقي العلاج، في حين كان الموقف السياسي الذي أعلنته القاهرة بارتباط مرور الأجانب من القطاع مرهونا بتوقف الاحتلال عن قصف المستشفيات بمثابة مسارا ثالثا من شأنه إجبار السلطات الإسرائيلية على التهدئة، عبر حشد ضغط دولي عليه في هذا الصدد.

إلا أن الموقف الدولي تجاه القصف الإسرائيلي، وكذلك الدعوات بتهجير سكان القطاع يحمل قدرا كبيرا من الازدواجية، في إطار العديد من الأبعاد، أبرزها من الناحية الإنسانية، في ظل استهداف المستشفيات، وقتل ألاف الأطفال، وهو ما يتعارض مع الدعاية الغربية التي طال أمدها حول المبادئ الحقوقية والتشدق بها، بينما تبقى الدعوة إلى تهجير آلاف البشر من مناطقهم، بالإضافة إلى كونها تقع تحت إطار “الإبادة الجماعية” طبقا للقانون الدولي، فإنها تتعارض مع مواقف الغرب الأوروبي تجاه اللاجئين القادمين إليهم سواء من مناطقهم الجغرافية على غرار أوكرانيا، أو من الشرق الأوسط.

الدول الأوروبية، من جانبها، تتبنى موقفا صارما تجاه استقبال اللاجئين، بل وأحيانا مواطنيها القادمين من الشرق الأوسط، في ضوء العديد من المعطيات، أبرزها الأوضاع الاقتصادية، والمخاوف الأمنية، خاصة مع احتمالات تسلل عناصر متطرفة إلى أراضيهم، مما يمثل تهديدا أمنيا صارخا لهم، وهو ما يعنى أن إمكانية قبول سكان غزة في دولهم يبدو مرفوضا تماما في ظل الظروف الراهنة، خاصة مع احتداد المعارك السياسية مع المعارضة، والصعود الكبير لتيارات اليمين المتطرف لديهم.

وهنا تتجلى ازدواجية الغرب في التعامل مع القصف اللاإنساني الذي تمارسه قوات الاحتلال، في إطار كاشف للدعاية التي طالما تبنوها دفاعا عن حقوق الإنسان من جانب، بينما تمثل في الوقت نفسه دعما ضمنيا للدعوات الإسرائيلية بتهجير سكان القطاع، من أراضيهم، إلى دول الجوار، رغم أنهم يتبنون مواقف صارمة تجاه اللاجئين إلى أراضيهم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *