نبذة تاريخية
ظلت الحضارة المصرية القديمة عنوانًا يدل على عبقرية المصري القديم وتفوقه آنذاك في مجالات شتى، منها بناؤه لأوابد حضارية سجلت على واجهتها إنجازاته وفلسفته وحياته بالكلمة والصورة مدفوعًا لذلك باعتقاده الراسخ بعقيدة الموت الذي يتلوه البعث والخلود.
وينقسم تاريخ مصر الفرعونية إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل التاريخ أو عصر ما قبل الأسرات، وعصر الأسرات أو العصر الفرعوني والذي يتشكل من ثلاثين أسرة.
عصر ما قبل التاريخ أو ما قبل الأسرات
ينقسم بدوره إلى قسمين، القسم الأول: يمتد من الألفية الواحدة والعشرين قبل الميلاد حتى الألفية السابعة عشرة قبل الميلاد، وهو يشمل العصر الباليوليتي والإيبوباليوليتي والنيوليتي. وتتشابه هذه العصور الثلاثة في خصائصها تقريبًا؛ فقد عاش إنسان تلك الفترات على التقاط الثمار وصيد الحيوان، وسكن الكهوف التي حملت جدرانها بعض النقوش البدائية التي تصور مشاهد لصيد الأسماك والحيوانات مثل الغزلان وآكل النمل وبعض الحيوانات الأخرى التي شاركته بيئته مثل الأفيال والنعام والزرافات. وربما عرف الإنسان حينئذ الانقلاب الحضاري الأول وهو اكتشاف النار التي هذبت من طبعه ونقلته من المرحلة البدائية إلى بداية التحضر.
أما ثاني مراحل تلك الفترة فتبدأ من الألفية السابعة عشرة قبل الميلاد إلى نحو 3100 ق. م. وهو عصر ما قبل الأسرات مباشرةً. وأحدث المصري آنذاك الانقلاب الحضاري الثاني وهو معرفة الزراعة واستئناس الحيوانات، وحاول تطويع البيئة لصالحه، وصنع الفخار، وقام بتخزين البضائع كالحبوب وغيرها في أماكن عديدة. كما ظهرت تجمعات سكانية في “العمرة” بمصر السفلى و”جرزة” و”البداري” بمصر العليا، وكذلك بالفيوم. كما عرف المصري آنذاك استخدام الطوب اللبن لأول مرة في التاريخ.
وتسمى الفترة التي تمتد من 4000 ق.م. حتى 3500 ق.م. بمرحلة نقادة الأولى وشملت مصر العليا كلها تقريبًا.
أما آخر عصور ما قبل الأسرات فهي الفترة المسماة بجرزة أو “نقادة الثانية”، وهي تمتد من 3500 ق.م. حتى 3100 ق.م. وفي هذه الفترة تم تعمير القرى فأصبحت مدنًا صغيرة، وزادت كثافة السكان، وتوسع المصري في صناعة الفخار، كما أكثر من استخدام الأحجار.
التوحيد (ويرجع إلى 3100 ق.م. تقريبًا)
قام الملك “نعرمر” بتوحيد مصر فوحد “هيراكومبوليس” و”نقادة”، وسجل اسمه داخل ما يسمى بالـ”سرخ” وهو عبارة عن مستطيل يصور واجهة القصر الملكي ويعلوها الصقر حورس، كما سجل هذا النصر على لوحته الشهيرة والمنسوبة إليه أي “لوحة نعرمر”. وتوالت الأسرات بعد ذلك والتي تقسم وفقًا لتقسيم “مانيتون” المؤرخ والكاهن المصري الشهير إلى ثلاثين أسرة تبدأ من 3100 ق.م. حتى 332 ق.م. أي مع بدء العصر اليوناني بمصر على يد الإسكندر الأكبر.
الدولة القديمة
بدأ بعد التوحيد عصر الدولة القديمة، والتي ضمت الأسرات من الأولى حتى السابعة؛ والتي دفن حكامها في أماكن مختلفة منها أبيدوس وسقارة؛ كما ظهر آنذاك بناء الأهرام والذي جاء في أكمل صوره في هرم زوسر المدرج بسقارة في الأسرة الثالثة. وقد صمم هذا الهرم هو ومجموعته الجنائزية المهندس العبقري “إيمحتب” والذي كان وزير الملك زوسر آنذاك. وكان الإله المهيمن في تلك الفترة هو الإله “رع”.
وتوالى العمران في عصر بناة الأهرام – أي في الأسرة الرابعة – فشيدوا أهرامًا لم نجد لها مثيلاً في العصور التالية؛ وتلك الأهرامات هي أهرامات كلٍّ من خوفو، وخفرع، ومنكاورع؛ واختاروا لبنائها هضبة الجيزة كما جلبوا الأحجار لبنائها من محاجر أبو سنبل.
واستمر بناء الأهرام حتى الأسرة الثامنة ولكن كانت أقل شأنًا من تلك التي بنيت في الجيزة بسقارة و”أبو صير” و”أبو غراب”؛ حيث كانت “طيبة” التي كانت تسمى آنذاك “واست” بمثابة قرية صغيرة في الإقليم الرابع من أقاليم مصر العليا.
وانتهت الدولة القديمة وفقًا لمانيتون مع حلول الأسرة السابعة، وذلك لضعف حكام “منف”. وحكم آنذاك مصر ملوك من “هيراكليوبوليس” وهي منطقة “إهناسيا” في مصر الوسطى، وظل الحال كذلك لمدة قرن من الزمان.
وتتابعت الأسرات التاسعة والعاشرة، وظل الحال كذلك إلى أن أتت الأسرة الحادية عشرة، وحكم ملوك مصر من “طيبة”، وتلك الفترة كانت تمثل عصر الانتقال الأول، أي العصر الوسيط الأول (2160 ق.م.- 2055 ق.م.).
الدولة الوسطى
وتبدأ من أواخر الأسرة الحادية عشرة حتى الأسرة الثالثة عشرة (2055 ق.م. وحتى 1650 ق.م.)، وانتهى مع بداية الدولة الوسطى عصر الانقسام على أيدي “منتوحتب-نب-حبت-رع” فوحَّد البلاد وبنى مقبرته في الدير البحري وأعاد مركزية الحكم بعد أن حارب حكام “هراكليوبوليس” حتى يحقق هذا التوحيد.
وجاءت بعد ذلك الأسرة الثانية عشرة، وبدأت على يد أمنمحات الأول الذي كان على الأرجح وزيرًا فى عهد منتوحتب الرابع آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة. ولقد أقام أمنمحات الأول لنفسه عاصمة جديدة جنوبي منف أسماها “إيتﭽتاوي”، وهي “اللشت” حاليًّا. ونقل ملوك تلك الأسرة مقابرهم التي كانت على شكل أهرامات إلى اللشت والفيوم وهوَّارة ولكن أتت تلك الأهرامات أقل حجمًا من الأهرامات السابقة وبخاصةٍ من ناحية الحجم ونوع الأحجار التي تم استخدامها. ونعرف الكثير عن حكام الأقاليم في تلك الفترة التي انتشرت في “بني حسن”، و”البرشا”، و”مير”، و”قاو” في مصر الوسطى، و”أسوان” في مصر العليا.
وانتهت الأسرة الثانية عشرة بأمنمحات الرابع، ثم حكمت من بعده البلاد الملكة “سوبك نفرو”. ولقد كانت السمة الغالبة على ملوك تلك الأسرة هي قصر فترات حكم ملوكها، مما لم يسمح لهم بإقامة آثار ذات قيمة، كما لم يعثر على أية إشارة لغزوات هامة قاموا بها.
وفي عصر الانتقال الثاني الذي تلا سقوط الأسرة الثانية عشرة دخلت مجموعة من القبائل الرعوية إلى الحدود المصرية وهم الذين عرفوا في النصوص المصرية باسم “الهكسوس” وهو اللفظ المشتق حقاو-خاسوت “وهو يعني “ملوك الرعاة”. وأقام “الهكسوس” عاصمة لهم فى شرق الدلتا أسموها “آفاريس” في عام1650 ق.م. وأصبحت آنذاك “طيبة” عاصمة مصر العليا، واستسلم حكام الجنوب إلى احتلال الهكسوس لشمال البلاد. ولكن سرعان ما اشتعلت الحرب فيما بعد بقيادة الملك “آبيبي” و”سقننرع”. واستمر القتال أيضًا بعد ذلك بقيادة “كاموزه” والذي وصل بالجيوش إلى “آفاريس” معقل الهكسوس. ثم جاء “أحمس الأول” ابن “سقنن رع” ليتم طرد الهكسوس من مصر.
الدولة الحديثة
(الأسرة الثامنة عشرة-الأسرة العشرين / 1550 ق.م.-1069 ق.م.)
عاشت مصر بعد النصر العظيم الذي حققه “أحمس الأول” عصرًا جديدًا من عصور الوحدة. كما أسس “أحمس الأول” مركزًا للعبادة الملكية بأبيدوس. كما قام بالتوسع في منشآت معبد الكرنك، ورمم معبد “منتوحتب نب حبت رع” في الدير البحري.
وتلا “أحمس الأول” حكام أمثال “تحتمس الأول” و”حورمحب” الذين قاموا بحروب توسعية عديدة، وذلك بغرض القضاء على أي تهديد أو خطر خارجي يهدد أمن البلاد.
وقام “تحتمس الأول” ببناء أول مقبرة ملكية بوادي الملوك؛ ثم تلاه “تحتمس الثاني” الذي تزوج بحتشبسوت التي تولت مقاليد الحكم بعد موته، وذلك على الرغم من اعتلاء “تحتمس الثالث” عرش البلاد رسميًّا مستغلة بذلك صغر سنه، وبنت حتشبسوت آنذاك واحدًا من أجمل المعابد المصرية من حيث العمارة.
تلا “تحتمس الثالث” “أمنحتب الثالث”، ثم “أمنحتب الرابع”، الذي عُرف بأخناتون والذي أحدث ثورة دينية لم يسبق لها مثيل في العصور الفرعونية حيث كان مؤسسًا لعقيدة قوامها التوحيد، ونقل العاصمة الدينية للبلاد إلى “آخت آتون” التي عرفت فيما بعد بتل العمارنة.
بعد وفاة “أخناتون” تولى الحكم ابنه “توت عنخ آمون” الذي أعاد الأمور إلى نصابها؛ فأعاد تأسيس وإصلاح معابد الإله آمون في محاولة منه لاسترضائه، كما رمم كل التماثيل والكتابات التي دمرها عمال “أخناتون”. ومات “توت عنخ آمون” ودفن بمقبرته بوادي الملوك. ثم جاء الملك “حور محب” الذي كان يعد قائدًا عسكريًّا من الطراز الأول، فقاد الجيوش إلى الولايات المجاورة لإخماد القلاقل وتأكيد سيادة مصر عليها.
تبع “رمسيس الأول” “حور محب” على عرش مصر مؤسساً الأسرة التاسعة عشرة ثم جاء ابنه “سيتي الأول” بعد وفاته ليتولى الحكم.
وفي عصر “سيتي الأول وابنه “رمسيس الثاني” خرجت حملات من مصر ضد الشعوب الأجنبية أهمها تلك التي قيدت ضد الحيثيين والمعروفة بموقعة “قادش”، ولم يحقق “رمسيس الثاني” بها نصرًا مجيدًا ولكن توصل بها الطرفان إلى عقد أول اتفاقية سلام في التاريخ.
خلف “رمسيس الثاني” آثارًا كثيرة، وبنى مقرًّا له أسماه “بر-رعمس”، أي بيت رمسيس في شرق الدلتا بالقرب من عاصمة الهكسوس “آفاريس”. وبعد “رمسيس الثاني” توالى الحكام على العرش ونهجوا نفس نهجه العسكري والسياسي التوسعي.
وانتهت الدولة الحديثة بموت “رمسيس الحادي عشر” الذي توفي دون أن يكمل مقبرته وحدث انقسام بين الشمال والجنوب، ودخلت مصر بذلك عصرًا وسيطًا ثالثًا.
العصر الوسيط الثالث
(الأسرة الواحدة والعشرين حتى الأسرة الخامسة والعشرين / 1069 ق.م. – 664 ق.م.)
أول حكام تلك الفترة هو “سمندس” وحكم من “تانيس” شمال بررمسيس. أما في الجنوب فكان يتولى الحكم الملك “بي عنخ”؛ وفي هذا الوقت منحت الألقاب للملوك على أساس خدمة آمون وذلك لإضافة الصبغة الدينية على الملوك وعاصمتهم.
ربطت بين الشمال والجنوب علاقات زواج ونسب، في محاولة منهم للتوحيد وتأكيد صلتهم بمعبد الإله آمون. ويقال إن ملوك الأسرة الثانية والعشرين كانوا من الليبيين وحاولوا إصلاح الشئون الملكية في طيبة فخرجوا بالجيوش المصرية في حملات وفي هذا العصر كانت مصر عبارة عن دويلات صغيرة، ومع ذلك ظلت مدن مثل “تانيس” و”طيبة” و”هركليوبوليس” و”صا الحجر” مراكز لها ثقلها.
واستمر الانقسام والضعف في الشئون الداخلية وكذلك بالسياسة الخارجية للبلاد بالأسرة الثالثة والعشرين والخامسة والعشرين. وفي 671 ق.م. حكم الآشوريون البلاد فغزوا “منف” ثم رحلوا ليعودوا مرة أخرى في 667ق.م. ليحتلوا مصر السفلى واستمروا في غاراتهم على مصر حتى وصلوا إلى طيبة.
العصر المتأخر
يبدأ من الأسرة السادسة والعشرين حتى الأسرة الثلاثين من 664 ق.م. وحتى 332 ق.م. استمر الحكم آنذاك في طيبة في أيدي ملوك “نباتا”.
وفي أثناء العصر الصاوي كانت الصلات مع اليونانيين قد بدأت، حيث أقيمت محطات لتوقف قوافل التجارة بين البلدين؛ ففي مصر كانت توجد “بينوقراطيس” في الدلتا إحدى هذه المحطات وكانت تحصل بها جمارك على تجارة البحر المتوسط لصالح مصر. وتمركز حكام العصور المتأخرة في مصر السفلى وأصبحت الكتابة الديموطيقية هي الكتابة الرسمية في البلاد وأصبح لكتاب الموتى شكل مكتمل.
وفي عصر الأسرة السابعة والعشرين غزا الفرس مصر، كما غزوا “بابل” وهزم “بسماتك الثالث” على يد “قمبيز” عام 525 ق.م. وفرضوا لغتهم كلغة رسمية للبلاد وفرضوا أيضًا الكتابة الآرامية.
ثم جاء “داريوس الأول” وفرض الاستقرار في البلاد، وبنى معبدًا مصريًّا لآمون بواحة الخارجة، ولكن بعد ذلك هزم جيشه في 490 ق.م. مما ساعد على اشتعال الفتن ووجود طوائف داخلية ولكن سرعان ما أخمد خليفته “كزاكس” في عام 486 ق.م. تلك الثورات.
وفي الدلتا كان يوجد حاكم يوناني يدعى “إيناروس” وكان مسيطرًا على الدلتا بأكملها ولكنه هزم وطورد في 454 ق.م.
وعندما مات “داريوس الثاني” في 405 ق.م. بدأت مصر تدخل عصر ازدهار واستقرار تحت إمرة حاكم يوناني، ويمثل في قائمة مانيتون الأسرة الثامنة والعشرين وجعل مصر متحدة لمدة ستين عامًا. ولقد خلف ملوك الأسرة الثلاثين آثارًا جيدة تنم عن فترة ازدهار وزهاء للحضارة، وكان آخر حكام تلك الأسرة هو “نختحورحب” والذي انتهى حكمه بالغزو الفارسي لمصر في 343 ق.م. واستمر حكم الفرس لمصر لمدة عشر سنوات وبعد ذلك جاءنا “الإسكندر الأكبر” كفاتح جديد للبلاد في 332 ق.م. ليبدأ عصرًا جديدًا في مصر؛ عصرًا تحولت مصر فيه إلى جزء من الإمبراطورية اليونانية الشاسعة.