كتبت\هبه عبداللة
استطاع الخديو إسماعيل أن يحول القاهرة من عاصمة يتم حكمها من القلاع إلى مدينة حديثة يسكنها الحاكم، تاركا القلاع والحصون، هكذا فعل إسماعيل عندما قرر أن يترك قلعة محمد على مقر الحكم ونزوله إلى وسط القاهرة، يختلط بالشعب ويسكن بجوارهم، فأمر بتشييد قصر عابدين، وحسبما ذكر المؤرخين وعلى رأسهم عبد الرحمن الرافعي إن كان الخديو إسماعيل صاحب الإسهامات ورائد النهضة لتأسيس القاهرة الحديثة أو أوروبا الشرق إن ذاك، وضمن سلسلة أسرار القاهرة فإن نزوله من قلعة محمد على حيث الحكم إلى قصر بين الشعب، هو من أعظم الإنجارات على الإطلاق، وإن كانت مصر هى الدولة الأولى التى نزل فيها الحاكم من القلاع والحصون إلى حيث يعيش الشعب.
تعد فكرة بناء قصر عابدين أحد الركائز الأساسية فى خطة الخديوي إسماعيل لبناء القاهرة الحديثة، فبمجرد أن تولى عرش مصر عام 1863، أمر بتأسيس القصر، واحتفظ باسمه عابدين أحد القادة العسكريين لمحمد علي باشا، وكان يسكن فيه قبل تطويره وهدمه، فبعد وفاة عابدين بك اشترى الخديو إسماعيل القصر من أرملته وهدمه وضم إليه أراضي شاسعة ليبدأ في تشييده وقام بتوسعة مساحته لتصبح 24 فدانًا ومن ثم بنى قصر ضخم رائع التصميم بديع الزخارف يجمع العديد من الفنون حول جدرانه واحتفظ باسمه فأصبح قصر عابدين الحالى، أحد التحف المعمارية في تاريخ القاهرة، فكان القصر عابدين مقرا الحكم للأسرة الملكية في مصر من عام 1872 حتى عام 1952، فقد سكنه لاحقاً كما سكنه ابنه الخديوي محمد توفيق ثم الخديوي عباس حلمي الثاني ثم السلطان حسين كمال ثم الملك فؤاد.
كلف الخديو إسماعيل المهندس الفرنسي دى كوريل روسو، أن يضع تصميمات للقصر قد وصلت كلفتها إلى 40 ألف دولار، وهو مبلغ باهظ فى تلك الفترة من حكم مصر، في حين بلغت تكلفة تأثيث القصر نفسه 120 ألف دولار وهو رقم كبير جداً.
شارك في بنائه مهندسين من جميع أنحاء العالم على قدم وساق إلى أن تم انتهاء بناء القصر قبل افتتاح قناة السويس في عام 1869وبعدها أكمل المهندسون المعماريون القصر المكون من 500 غرفة في عام 1874.
عند بناء القصر كانت أرضه الواسعة تضم جبانات، تحتضن رفات المصريين تم نقلها خارج القصر إلا ضريح “سيدى بدران”، المطل على ساحة النافورة الآن، هذا الضريح الذي يرجع لشخص غير معروف اسمه بدران، وكلما حاول العمال نقله تعرض للإصابة، لذلك أمر الخديوى إسماعيل بالحفاظ على الضريح وإدخاله ضمن تصميمات القصر، وأعاد الملك فؤاد تجديد الضريح بزخارف نباتية ملونة وكتابات قرآنية مشابهة للموجودة في مسجد الفتح الموجود داخل القصر بجوار باب باريس.
يتكون القصر من طابقين؛ الطابق الأول يضم الحرملك والسلاملك، بينما يحتوي الطابق الأرضي على حديقة القصر وصيدلية للأدوية النادرة ودار الطباعة الملكيةومكتب الملك فاروق، حيث تعد قاعة محمد علي هي أكبر وأفخم قاعة في قصر عابدين، كما يضم القصر عدة قاعات تسمى البيضاء والحمراء والخضراء كانت تستخدم لاستقبال الوفود الرسمية خلال زيارتهم لمصر.
كل ركن من أركان القصر، الحوائط والجدران يفوح منها اريج الإبداع، لوحات فنية ممهورة بتوقيع فنانين فرنسيين، سواء لمشاهد حربية أو للأزياء العسكرية المصرية عبر العصور، ما يجعل الجولة بين أروقة المتاحف غنية وشيقة. وأيضا مجموعة صور فوتوغرافية للأسرة المالكة وصورة الزفاف الملكي للملك فاروق.
ويحتوي القصرعلى 5 قاعات كبرى للاحتفالات، تتضمن كل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي، كما يحتوى على قاعات وصالونات، ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، يطلق عليها “الحرملك”، والسبب في التسمية أنها منطقة محرمة على الرجال الغرباء.
فيما تعد قاعة محمد علي هي أكبر وأفخم قاعة في قصر عابدين، ويضم القصر عدة قاعات تسمي البيضاء والحمراء والخضراء كانت تستخدم لاستقبال الوفود الرسمية خلال زيارتهم لمصر، علاوة على ذلك يعد الجناح البلجيكي جزءًا رائعًا من قصر عابدين، نظرًا لطرازه المعماري والزخرفي الفريد. كما يشتهر القصر بتصميماته وديكوراته الإيطالية والتركية والفرنسية الرائعة ومجموعة من اللوحات النادرة وقطع الأثاث المزينة بالذهب.
شيد القصر بأبواب حديدية عملاقة وأسوار من الفولاذ، تحيطها حدائق بديعة تحتضن أشجار ونباتات نادرة أتى بها الخديو من دول أوروبا، ومن اشهر أبواب القصر باب باريس الذي يحتوي على مدخل الزواروهو بوابة تظهر فيها دقة التفاصيل، تحوي نقوشاً وزخارف فريدة، وقد أمر الخديوي إسماعيل بصنعها خصيصاً للقصر في العاصمة الفرنسية باريس، ومن هنا جاء اسم البوابة العتيقة التى بمجرد المرور بين ظلفتيها تقابلك نافورة مياه محاطة بتماثيلا لأبناء محمد علي باشا.
سرايا عابدين أو القصر الملكى للأسرة العلوية هو أقرب لمدينة متكاملة، من قاعات وصالونات، ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، يعتبرقصر عابدين الانطلاقة الحقيقية لظهور القاهرة الحديثة فى أبهى صورها حيث النهضة المعمارية التى تشى من جدرانه ولم تكن تعرفها مصر من قبل، أو القاهرة بشكل خاص، وإن جاز القول فإن بناء القصر كان بمثابة الطلقة المدوية للخديوي إسماعيل في تشييد القاهرة الحديثة
من داخل قاعات القصر انبثقت المتاحف، وليدة فكرة الملك فؤاد الأول الذي سعى إلى تنفيذها وحرص على تخصيص عدد من قاعات القصر لتصبح متاحف تتضمن مقتنيات الأسرة من أسلحة وذخائر وأوسمة ونياشين ووثائق، يتباهى بها أمام ملوك العالم حينما يأتون إلى مصر، وكأن الشغف يورث فقد ورث الملك فاروق الأول ولع والده بالتحف وأضاف للمتاحف الكثير من المقتنيات الخاصة به التي جمعها من مزادات أوروبا والتي يعود معظمها إلى القرن الثامن عشر،تتضمن متاحف قصر عابدين: متحف النياشين والأوسمة، ومتحف الأسلحة، ومتحف الفضيات، ومتحف السلام ومتحف الوثائق التاريخية.
أسلحة شاهدة على الحروب، ودروع الفرسان فى الميادين، مدافع ألقت بقذائفها فى وجه الجيوش، سيوف وخناجر وسهام، وطلقات وذخائر يضمها متحف الأسلحة بقصر عابدين، لرجال لهم تاريخ وطأت أقدامهم أرض المحروسة ، فيهم من قضى نحبه ومنهم من رحل إلى بلاده أعزل دزن سلاحه، هكذا رصدت كاميرا اليوم السابع أروقة متحف الأسلحة بقصر عابدين لتوثق رحلة سيف “روميل” ومكان مسدس “موسوليني”.
يعتبر شغف أسرة محمد على بالأسلحة أهم الدوافع التى سعى لها الملك فؤاد الأول لإنشاء متحفًا يضم أهم الاسلحة التي استخدمها الجيش المصري، حيث أنشأ المتحف فى 1928 ليكون بمثابة ترسانة الأسلحة الممنوحة لمصر على سبيل الهدايا أو تركها الغزاة وقادة الحروب.
يتميز المتحف بطابع معمارى فريد يجمع بين الطرازين التراثى والمعاصر وهو ما يبرز من خلال ما يضمه من أسلحة ترصد كل تطور على مر القرون والعقود بداية من الأسلحة البيضاء من خناجر وسيوف ووصولا إلى الأسلحة النارية من بنادق ومسدّسات، ينقسم متحف الاسلحة إلي ثلاثة أقسام مختلفة، قسم للأسلحة البيضاء، وتضم مجموعات نادرة من الأسلحة البيضا، والتي قام بتصنيعها أمر صانعي السلاح في العالم الاسلامى وأوروبا، ومن مختلف العصور، وثاني للأسلحة النارية، والذي يُعد أكبر أقسام المتحف، يبدأ بقاعة عرض الاسلحة الخداعية، وهى مجموعة بنادق نفذت على شكل عصى يتوكا عليها الناس، ومجوعة أخري من السيوف والخناجر، وثالث لساحة المدافع المكشوفة، معروض بها مدافع من طرز مختلفة، بعضها صنع فى عهد محمد على باشا وخلفائة، بالإضافة إلي مدافع اخري، أوروبية وأمريكية الصنع، وتعود إلى القرنين 18 و 19.
ويضم المتحف مجموعة متاحف داخل قصر عابدين بنى عام ١٩٢٨ بأمر من الملك فؤاد الأول الذى كان عاشقا لجمع واقتناء الأسلحة.
وجمع الملكان فؤاد وفاروق مقتنيات المتحف بشراء بعضها من المزادات العالمية بينما حصلا على البعض الآخر كهدايا من ملوك ورؤساء العالم وورثا قطعا أخرى عن جدهما الأكبر محمد على، ومن أبرز المقتنيات بالمتحف مجموعة سيوف مهداة للملك فاروق بمناسبة زواجه منها سيف من الذهب الخالص المطعّم بالألماس وهو هدية من ملك انجلترا جورج السادس يوم زفاف ملك مصر من الملكة فريدة.
كما يضم المتحف سيفا آخر من الذهب الخالص أهداه له أمير الكويت الراحل عبدالله السالم الصباح بمناسبة زواجه الثانى من الملكة ناريمان ووضع بجانب السيف صورة الزفاف الملكى التى تظهر فيها ناريمان مرتدية فستانا مرصعا بالألماس والأحجار الكريمة، ومن أثمن القطع المعروضة الخنجر الخاص بالقائد العسكري الألمانى روميل.
عتبر متحف الأوسمة والنياشين الموجود داخل قصر عابدين، أيقونة الحفاظ على المداليات والأوسمة التى حصل عليها القادة والأبطال على مر العصور، وذلك حسبما رصدت كاميرا صورا للمقتنيات داخل المتحف بالقصر.
يضم المتحف قسم المقتنيات الملكية الخاصة وقسم خاص للأوسمة والنياشين بعضها صنع في مصر وأغلبها مصنوع في أوروبا تمنح لمن يؤدون للبلاد خدمات جليلة تميزاً لهم عن غيرهم ، كما إنها تمنح للملوك والرؤساء والشخصيات التي لها مواقف تخدم قضايا الوطن، ويوجد بالمكتبة كتاب خاص بمراسم تسليم وتسلم هذه الأوسمة والنياشين، كما يوجد بالقاعة بعض الأوسمة والنياشين مشتراه من مزادات عالمية بواسطة أفراد العائلة المالكة.
بهو قصرعابدين صورة تم التقاطها عام 1922
تضم القاعة مجموعات رائعة من الأوسمة والنياشين والميداليات، بعضها صنع في مصر وأغلبها مصنوع في أوروبا وآسيا وأفريقيا والأمريكتين، وأغلب هذه الأوسمة والنياشين تمنح لمن يؤدون للبلاد خدمات جليلة تميزًا لهم عن غيرهم، كما أنها تمنح للملوك والرؤساء والشخصيات التي لها مواقف تخدم قضايا الوطن.
ويوجد بالمكتبة الخاصة بقصر عابدين كتاب خاص بمراسم تسليم وتسلم هذه الأوسمة والنياشين، كما يوجد بالقاعة بعض الأوسمة والنياشين مشتراة من مزادات عالمية بواسطة أفراد العائلة المالكة.
ويضم متحف الأوسمة والنياشين شارات خاصة بالأمناء والوصيفات بالبلاط الملكى، كل وصيفة تعلق إحداها من الذهب الخالص مطعمة بالألماس ومكتوب عليها تتبع أي أميرة أو ملكة “فؤاد الأول ناظلى الملكة الأم وأخرى فؤاد الأول”، كما يوجد الوشاح الأكبر من نيشان ملكة سبأ هدية للملكة نازلي- الحبشة ١٩٣١.
كما يوجد بالمتحف عدد من النياشين الخاصة بمحمد على باشا والتي على أساسها قسمت الأوسمة والنياشين حتى وقتنا هذا مع بعض التعديلات، مثل نيشان النيل والفلاحة ونيشان الكمال، وكمان نيشان محمد على لايمنع إلا للأشخاص الذين قدموا خدمات استثنائية لبلادهم.
قصرعابدين من الداخل
أما المقتنيات الفضية يضم قصر عابدين متحفا للفضيات الخاصة بأسرة محمد على باشا، وذلك ضمن مجموعة متاحف داخل قصر عابدين، فيما رصدت كاميرا تفاصبل المقتنيات الفضية للعائلة المالكة.
بعتبر متحف الفضيات جزء لا يتجزأ من مقتنيات القصر حيث يتكون من أربعة أقسام بداية من قسم الفضة، وقسم الصينى، وقسم الكريستال وقسم الجالية، تم افتتاح المتحف فى ١٧ أكتوبر ١٩٩٨، وكان الغرض منه عرض مقتنيات الأسرة المالكة داخل مكان مخصص.
تعد الفضة أهم المقتنيات وأكثرها تنوعاً وجميعها مصنوع من الفضة، وهى عبارة عن أدوات وأوانٍ وتحف تستخدم فى تناول الأطعمة والمشروبات فى الحفلات والولائم التى كانت تقام فى المناسبات المختلفة الخاصة بملوك وأمراء أسرة محمد على باشا والتى تخـص عـدداً من ملوك مصر منذ عهد الخديوى إسماعيل وحتى عهد الملك فاروق الأول.
أما القسم الصينى فيحتوى على مجموعة صممت فى أشهر المراكز المتخصصة فى صناعة الصينى وفنونه، والتى انتخب فى أواخر القرن ١٩ وأوائل القرن الـ ٢٠، ووقتها لم تكن الأدوات والأوانى المنزلية مجرد قطع لوضع الطعام بل صممت لتكون تحفة فنية تشكيلية جعلت من الصينى لا يقتنى من أجل سد متطلبات الاستخدام اليومى فقط بل للاحتفاظ به كقطع من الفن الرفيع.
شارع عابدين بالقاهرة مصر عام ١٨٩٣.
شارع عابدين بالقاهرة مصر عام ١٩٠٠.
قصر عابدين بالقاهرة مصر عام ١٨٧٤.
الملك فارق داخل قصر عابدين
قصرعابدين صورة تم التقاطها عام 1920
قصر عابدين عام 1942
حديقة قصرعابدين عام 1920