كتبت\هبه عبدالله
يسهم التناغم والتنسيق بين السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية فى تحقيق مستهدفات اقتصادية مهمة تتمثل فى رفع معدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 7% وتنفيذ نظام سعر الصرف المرن للعملة واستقرار الأسعار واستمرار خفض معدلات الدين وتحقيق الانضباط المالى، وتعزيز دور القطاع الخاص فى قيادة النمو الاقتصادى والتوظيف وتلك هى خارطة العمل خلال الفترة المقبلة، حيث بدأت الحكومة والبنك المركزى بإجراءات مهمة لدعم قدرة الاقتصاد المصرى فى مواجهة واحدة من أعتى الأزمات الاقتصادية العالمية الناتجة عن تحديات دولية مركبة أبرزها الأزمة الروسية الأوكرانية واستمرار تداعيات أزمة كورونا.
ومن شأن 7 إجراءات وسياسات تنفذها مصر حاليًا، تتمثل فى إقرار حزمة مالية بقيمة 67 مليار جنيه للحماية الاجتماعية وطرح شهادات إدخار بفائدة تصل إلى 17.25% وبرنامج الطروحات الحكومية بالبورصة و”نظام سعر الصرف المرن” ومساندة المنتج المحلى ورفع الصادرات وبناء 60 مليار دولار احتياطى أجنبى، والتوسع فى المشروعات القومية والفرص الاستثمارية بها، أن تعزز من قوة اقتصاد مصر وتحمى المواطن وتدعم دور القطاع الخاص فى مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية.
واتخذت الحكومة المصرية إجراءات هامة لدعم المواطن المصرى عبر توفير التمويل الكافى للتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية وتوفير أكبر قدر من المساندة والحماية للفئات الاجتماعية المستهدفة، بإقرار حزمة جديدة للحماية الاجتماعية بقيمة 67 مليار جنيه، وتشمل إقرار علاوة إضافية بقيمة 300 جنيه شهريًا لكافة العاملين بجهات وأجهزة الدولة ولأصحاب المعاشات والذين يبلغون أكثر من 10 ملايين صاحب معاش، وزيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة بنحو 11% ليصل إلى 3000 جنية شهريًا، وزيادة حد الاعفاء من ضريبة الدخل لكافة أصحاب الأجور بنحو 25% لضمان زيادة الدخل الشهرى وبمعدلات تزيد لأصحاب الدخول الأقل.
وشملت الإجراءات المهمة مد فترة الاستفادة من الزيادة الشهرية الاضافية المقررة لأصحاب البطاقات التموينية حتى نهاية السنة المالية الحالية لإتاحة مساندة نقدية إضافية لهم تسمح بضمان القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم، وتثبيت أسعار الكهرباء للمواطنين دون أى تعديل حتى نهاية السنة المالية الحالية 2022 – 2023 والاعلان عن تقديم المساندة لعدد من الشركات وأصحاب الأعمال مقابل الحفاظ على العمالة لضمان استقرار الاوضاع المعيشية لأكبر عدد من المواطنين.
وتبعت تلك الإجراءات الحكومية، استخدام البنك المركزى المصرى لإحدى أهم أدواته لتحقيق استقرار الأسعار وهى أداة الفائدة عبر رفع الفائدة بنسبة 2% لتصل إلى 13.25% للإيداع و14.25% للاقراض، وتبعها قيام بنوك الأهلى ومصر والقاهرة بإصدار شهادات إدخار جديدة مدتها 3 سنوات بعائد 17.25 % يصرف سنويًا و16.5% بعائد يصرف كل 6 شهور و16.25% بعائد 16.25% يصرف كل 3 شهور و16% بعائد يصرف كل شهر، والتى من شأنها أن تمتص السيولة من الأسواق وتحقق دخلًا مناسبًا للمواطن، وأقر البنك المركزى زيادة قيمة الشحنات المستثناة من قرار الاعتمادات المستندية إلى 500 ألف دولار أو ما يعادلها من العملات الأخرى، بما يحقق انفراجة هامة فى الاستيراد خلال المرحلة المقبلة.
ومن شأن تلك الإجراءات أن تدعم المواطن وتعزز دور القطاع الخاص، خلال المرحلة المقبلة، حيث أن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية غير المسبوقة يضع تحديات كبرى أمام دول العالم، وعلى الرغم من ذلك يؤكد تقرير آفاق الاقتصاد العالمى الصادر عن صندوق النقد الدولى، أن الاقتصاد المصرى متوقع أن ينمو بنسبة 6.6% خلال 2022 رغم تزايد الضغوط على الاقتصاد العالمى من التضخم والأزمة الروسية الأوكرانية، ليؤكد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأت تنفيذه عام 2016 وقدرته على الصمود والتعامل بمرونة مع الصدمات الخارجية الناتجة عن أزمة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية.
ومن شأن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة أن تحقق هدفًا رئيسيًا بدعم موارد النقد الأجنبى لمصر عبر تحقيق هدف 100 مليار دولار سنويًا للصادرات المصرية، إلى جانب بناء احتياطى أجنبى قوى يتجاوز الـ60 مليار دولار، خلال 4 سنوات، ارتفاعًا من أرصدة حالية بقيمة 33 مليار دولار، إلى جانب دعم الصناعة وتشجيع المنتج المحلى وأن يكون القطاع الخاص قائدًا للنمو فى الناتج المحلى الإجمالى والوصول بنسبة نمو الاقتصاد تدريجيًا إلى 7%.
ويشمل برنامج التعاون الجديد بين مصر وصندوق النقد الدولى، ببرنامج لمدة 4 سنوات بتسهيل ائتمانى بقيمة 3 مليارات دولار بما يتيح تمويلاً إضافياً مليار دولار من صندوق “المرونة والاستدامة” و5 مليارات دولار من المؤسسات الدولية، ومع استمرار تدفقات دفعات وشرائح قرض صندوق النقد الدولى سوف تدعم تلك التمويلات أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، بما يتيح سداد أقساط المديونيات الخارجية المستحقة على مصر خلال السنوات القادمة، خاصة مع مواعيد الاستحقاق للودائع الخليجية وأقساط الديون الخارجية، إلى جانب توفير السلع الأساسية من مواد غذائية وبترولية، وهو التزام للبنك المركزى المصرى، إلى جانب توفير رقم هام لدعم الموازنة العامة للدولة، لتقليص العجز فى الموازنة العامة للدولة.
وتستهدف جميع الإجراءات الاقتصادية والتنسيق بين كافة الجهات الحكومية المعنية دعم القطاع الخاص وزيادة معدلات فرص زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تستهدفها مصر بنحو 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، بما يحقق هدف استقرار الأسعار والتوسع فى الإنفاق الاستثمارى على المشروعات القومية والبنية الأساسية بما يدعم فرص التشغيل، خاصة وأن سوق العمل يحتاج مليون فرصة عمل سنويًا.
ويتيح التوسع فى المشروعات القومية ودعم الصناعة المحلية عدة ميزات هامة تتمثل فى الاكتفاء الذاتى من المنتجات الزراعية والغذائية وتوفير مستلزمات المواد الخام وتوفير فرص العمل للآلاف من الشباب المصرى، مع الاهتمام بالاستثمار فى رأس المال البشرى بالتدريب ورفع الكفاءة للعمالة، والاهتمام بالمدارس الفنية فى تلك التخصصات، وبالتالى خفض معدلات البطالة، وتوفير العملة الصعبة التى كانت تستخدم فى استيراد، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال والعملة الصعبة للاقتصاد المصرى.
وعلى جانب السياسة المالية، يتم العمل على تنفيذ خطة مهمة لتحقيق الانضباط المالى وترشيد الانفاق الحكومى واستدامة المالية العامة فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتدبير التمويلات اللازمة لخطط التنمية لتلبية احتياجات المواطنين، والتوسع فى الحلول التكنولوجية لدمج الاقتصاد غير الرسمى، واستمرار خفض معدل عجز الموازنة للناتج المحلى من 6.1 فى يونيو 2022 إلى 4% فى عام 2027 وتحويل العجز الأولى للموازنة الذى استمر لأكثر من 21 سنة متتالية وبلغ 11.5% فى العام المالى 1981 – 1982 إلى فائض أولى بنسبة 1.3% فى يونيو 2022 وللسنة الخامسة على التوالى، إلى جانب ضخ المزيد من الإنفاق للتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم وبرامج تحسين مستوى المعيشة، وتهيئة مناخ أكثر تحفيزًا للاستثمار خاصة أن الدولة نفذت مشروعات قومية كبرى باستثمارات تجاوزت 7 تريليونات جنيه، من أجل جذب المزيد من المشروعات الاستثمارية، وتحسين جودة الحياة، والخدمات العامة، واستدامة القدرة على توفير مليون فرصة عمل سنويًا.
ورغم أن أفق الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يحمل المزيد من الغموض، إلا أن مؤشرات أداء الاقتصاد المصرى تؤكد القدرة على امتصاص الصدمات الخارجية، حيث أن مصر من الدول القليلة التى حققت معدلات نمو إيجابية فى عامى جائحة كورونا بنسبة 3.3٪ و3.6٪ من الناتج المحلى الإجمالى، إلى جانب تحقيق أعلى معدل نمو منذ عام 2008 بنسبة 6.6٪ فى شهر يونيو 2022، على نحو حظى بإشادة مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية، إلى جانب قيام مؤسسة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتمانى بالإبقاء على التصنيف الائتمانى لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو دون تعديل عند مستوى «B» مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى للمرة الثانية خلال عام 2022، بما يؤكد أن الاقتصاد المصرى قادر على تحقيق النمو القوى عبر إتاحة خريطة استثمارية متنوعة ودعم القطاع الخاص وجذب رؤوس الأموال إلى شراييين الاقتصاد.