البابا فرنسيس

البابا فرنسيس يقترح 3 طرق لبناء سلام دائم.. اعرف تفاصيل الرسالة

كتب\كمال سعيد

اقترح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ورأس الكنيسة الكاثوليكية، 3 طرق لبناء سلام دائم، أولهم، الحوار بين الأجيال كأساس لتحقيق المشاريع المشتركة، وثانيهم التربية كعامل حرية ومسؤولية وتنمية، وثالثهم والعمل من أجل التحقيق الكامل للكرامة البشريّة.

البابا فرنسيس
البابا فرنسيس

وقال البابا فرنسيس: “حتى يومنا هذا فإنّ مسيرة السّلام، التي سمّاها البابا القدّيس بولس السادس بالاسم الجديد التنمية المتكاملة، ما زالت مع الأسف بعيدة عن الحياة الواقعيّة للعديد من الرجال والنساء، وبالتالي للعائلة البشريّة، التي أصبحت الآن مترابطة ترابطًا تامًّا، على الرّغم من الجهود المتعدّدة الهادفة إلى الحوار البنّاء بين الدول، ما زال ضجيج الحروب والنزاعات يزداد ويصمّ الآذان، بينما تطوّرت الأمراض وصارت أوبئة معدية، وازداد سوءًا آثار تغيّر المناخ والتدهور البيئي، واشتدّت مأساة الجوع والعطش، واستمرّ في السيطرة على العالم نموذج اقتصادي قائم على الفرديّة أكثر منه على المشاركة والتضامن، كما في زمن الأنبياء القدماء، كذلك اليوم، ما زال صراخ الفقراء والأرض، يرتفع طالبًا العدل والسّلام.

وتابع: “هنا أودّ أن أقترح ثلاثة طرق لبناء سلام دائم. أولًا، الحوار بين الأجيال أساسًا لتحقيق المشاريع المشتركة، ثانياً، التربية لتكون عاملًا من عوامل الحرّيّة والمسئوليّة والتنمية، أخيرًا، العمل من أجل تحقيق كامل لكرامة الإنسان، هذه ثلاثة عناصر لا يمكن تجاوزها “لإنشاء ميثاق اجتماعي”، وبدونها لا قرار ولا منطق لأيّ مشروع سلام”.

الحوار بين الأجيال لبناء السّلام

واستمر: “في عالم لا يزال في قبضة الجائحة، التي تسبّبت في مشاكل كثيرة، “يحاول البعضُ الهروبَ من الواقع إلى عوالم خاصّة بهم، وآخرون يواجهونه بعنفٍ مدمّر، لكن بين اللامبالاة الأنانيّة والمعارضة العنيفة، هناك دائمًا خيار ممكن: وهو الحوار، الحوار بين الأجيال، كلّ حوار صادق، لكنْ مبنِيٍّ على جدليّة صادقة وإيجابيّة، يتطلّب دائمًا ثقة أساسيّة بين المتحاورين. يجب أن نستعيد هذه الثقة المتبادلة! ضاعفت الأزمة الصّحّية الحاليّة لدى الجميع الشعور بالوَحدة والانطواء على النفس، ومع عزلة كبار السّن ظهر في الشّباب شعور بالعجز وفقدان فكرة مشتركة عن المستقبل. هذه الأزمة مؤلمة بالتأكيد. ومع ذلك، يمكن أن يعبِّر فيها الناس عن أفضل ما فيهم. في الواقع، خلال الجائحة بالتحديد، وجدنا، في كلّ جزء من العالم، شهادات نبيلة للرّحمة والمشاركة والتضامن”.

واستطرد :”الحوار يعني أن نصغي بعضنا إلى بعض، ونناقش بعضنا بعضًا، ونتّفق بعضنا مع بعض، ونسير معًا. العمل على تحقيق كلّ هذا بين الأجيال يعني أن نفلح أرض الصّراع والإقصاء الصّلبة والعقيمة، وأن نزرع بذور سلام دائم ومشترك، بينما أدّى التطوّر التكنولوجي والاقتصادي في كثير من الأحيان إلى تقسيم الأجيال، كشفت الأزمات المعاصرة مدى أهمّيّة تحالفها بعضها مع بعض. فمن ناحية، يحتاج الشّباب إلى خبرة كبار السّن في الحياة والحكمة والأمور الروحيّة، ومن ناحية أخرى، يحتاج كبار السّن إلى دعم الشّباب ومحبّتهم وإبداعهم وحيويّتهم”.

وتابع بابا الفاتيكان :”لا يمكن للتحديات الاجتماعيّة الكبيرة ومسيرات السّلام الاستغناء عن الحوار بين حرّاس الذاكرة – كبار السّن – وبين الذين يسيرون بالتاريخ إلى الأمام – الشّباب -، ولا حتّى الاستغناء عن استعداد كلّ منهما أن يعطي مجالًا للآخر، فلا يتطلّع أحدٌ منهما إلى احتلال المشهد بأكمله، والسعي وراء مصالحه الخاصّة، كما لو أنّه لم يكن ماضٍ ومستقبل. الأزمة العالميّة التي نعيشها تبيِّن لنا أنّ في اللقاء والحوار بين الأجيال قوّةً دافعة لسياسة سليمة، لا تكتفي بإدارة الموجود “بالترقيع أو بحلول متسرّعة”.

وقال: “من ناحية أخرى، فإنّ فرصة بناء مسارات سلام معًا لا يمكن أن تتجاهل التربية والعمل، فهي أماكن وسياقات متميّزة للحوار بين الأجيال. هي التربية التي توفّر قواعد الحوار بين الأجيال، ومن خلال تجربة العمل، يجد الرجال والنساء من مختلف الأجيال أنفسهم متعاونين، ويتبادلون المعارف والخبرات والمهارات من أجل الخير العام”.

التربية والتّعليم محركان للسلام

وقال بابا الفاتيكان :”فى السنوات الأخيرة، انخفضت ميزانيّة التّعليم والتربية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، باعتبارهما إنفاقًا وليس استثمارًا. ومع ذلك، فهما يمثّلان القوّة الموجّهة الأساسيّة للتنمية البشريّة المتكاملة: فهما يجعلان الإنسان أكثر حرّيّة ومسؤوليّة وهما ضروريّان للدّفاع عن السّلام وتعزيزه. وبعبارة أخرى، التربية والتّعليم هما أسس المجتمع المدني المتماسك والقادر أن يلد الرّجاء والغنى والتقدّم،من ناحية أخرى، زاد الإنفاق العسكري، وتجاوز المستوى المسجّل في نهاية ”الحرب الباردة“، ويبدو أنّه مقدّر له أن ينمو بشكل مفرط، لذلك من الملائم والملحّ أن يقوم الذين لديهم مسؤوليّات حكوميّة بوضع سياسات اقتصاديّة تصنع انقلابًا في الميزانيات المخصّصة للاستثمارات العامّة في التربية والأموال المخصّصة للتسلّح. من ناحية أخرى، فإنّ السعي إلى تحقيق مسيرة حقيقيّة لنزع السّلاح الدولي لا يمكن إلّا أن تعود بفوائد كبيرة على تنمية الشعوب والدول، وتحرير الموارد الماليّة لاستخدامها بطريقة أكثر ملاءمة للصّحّة، والمدارس، والبِنَى التحتيّة، ورعاية الأرض، وما إلى ذلك”.

تعزيز وضمان العمل يبني السّلام

وقال البابا فرنسيس :”العمل هو مقوّمٌ لا غنى عنه لبناء السّلام والحفاظ عليه. إنّه تعبير عن الذات وعن المواهب الخاصّة، ولكنّه أيضًا التزام، وجهد، وتعاون مع الآخرين، لأنّنا نعمل دائمًا مع أو من أجل شخصٍ آخر. من هذا المنظور الاجتماعي الملحوظ، يكون العمل المكان الذي فيه نتعلّم أن نقدّم مساهمتنا من أجل عالم يزداد جمالًا وقابليّة للعيش، ازداد الوضع سوءًا بسبب جائحة كوفيد-19 في عالم العمل، الذي كان يواجه من قبل تحدّيات متعدّدة. أفلست ملايين الفعاليّات الاقتصاديّة والإنتاجيّة، والعمّال غير المستقرّين تعرّضوا لمزيد من الأخطار، والكثيرون من الذين يؤدّون الخدمات الأساسيّة والذين لا يظهرون، زاد غيابهم عن الوعي العام والسّياسي، وسبَّبَ التّعليم عن بُعد في كثير من الحالات تراجعًا في التعلّم وفي المساقات المدرسيّة. بالإضافة إلى ذلك، الشّباب الذين يدخلون الآن سوق العمل، والكبار العاطلون عن العمل، يواجهون اليوم مصيرًا مأساويًّا”.

واستمر :”كان تأثير الأزمة على الاقتصاد غير الرّسمي، خصوصًا، والذي غالبًا ما شَمَلَ العمّال المهاجرين، مُدمّرًا. العديد منهم (العمّال المهاجرون) لا تعترف بهم القوانين الوطنيّة، وكأنّهم غير موجودين، يعيشون في ظروف غير مستقرّة، لأنفسهم ولعائلاتهم، ويتعرّضون لأشكال مختلفة من العبوديّة، ومن دون نظام رعاية اجتماعيّة يحميهم. ويُضاف إلى ذلك، أنّ ثُلُث سكّان العالم فقط، ممّن هم في سنّ العمل، يتمتّعون حاليًّا بنظام حماية اجتماعيّة، أو يمكنهم فقط الاستفادة منه بأشكال محدودة. وازداد العنف وازدادت الجريمة المنظّمة في العديد من البلدان، ما أدّى إلى خَنق حرّيّة الأشخاص وكرامتهم، وتسميم الاقتصاد ومنع الخير العام من التّطوّر. والجواب على هذا الوضع يتمّ فقط من خلال توفير المزيد من فرص العمل الكريم”.

واستطردت الرسالة :”أصبح من الضّروريّ، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أن نعزّز ظروف العمل اللائقة والكريمة في جميع أنحاء العالم، ونوجّهها نحو الخير العام والحفاظ على الخليقة. ويجب أن نضمن وندعم حرّيّة المشاريع التجاريّة، وفي الوقت نفسه، أن ننمّي مسؤولية اجتماعيّة متجدّدة، حتّى لا يكون الرّبح هو المعيار التّوجيهي الوحيد، ومن هذا المنظور، يجب أن نحفّز المبادرات ونستقبلها وندعمها، والتي تحثّ الشّركات، في جميع المستويات، على احترام حقوق الإنسان الأساسيّة للعاملين والعاملات، وتساعد بهذا المعنى على توعية، ليس فقط المؤسّسات، ولكن أيضًا المستهلكين، والمجتمع المدني، وأصحاب المشاريع. وكلّما زاد وعي كلّ هؤلاء لدورهم الاجتماعي، أصبحوا أماكن يحافَظ فيها على كرامة الإنسان، وصاروا هكذا يشاركون بدورهم في بناء السّلام. وعلى السّياسة في هذا كلّه أن تقوم بدور نشط، فتعزّز التوازن العادل بين الحرّيّة الاقتصاديّة والعدالة الاجتماعيّة. ويمكن لجميع الذين يعملون في هذا المجال، بدءًا من العمّال ورجال الأعمال الكاثوليك، أن يجدوا في تعليم الكنيسة الاجتماعي توجيهات واضحة وأكيدة”.

واختتم رسالته :”أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! بينما نسعى لتوحيد جهودنا للخروج من الجائحة، أودّ أن أجدّد شكري للذين التزموا وما زالوا يكرّسون أنفسهم بسخاء ومسؤوليّة لضمان التّعليم، والأمن وحماية الحقوق، وتقديم الرّعاية الطّبيّة، وتسهيل اللقاء بين أفراد العائلة والمرضى، وضمان الدّعم المادّي للمحتاجين أو الذين فقدوا عملهم. وأؤكّد أنّني ما زلت أذكر جميع الضّحايا وعائلاتهم في صلاتي، أُناشِدُ الحُكَّام وكلّ الذين لديهم مسؤوليّات سياسيّة واجتماعيّة، والرُّعاة ومنشّطي الجماعات الكنسيّة، وأيضًا جميع الرجال والنساء ذوي النّوايا الحسنة، حتّى نسير معًا على هذه الطرق الثلاثة وهي: الحوار بين الأجيال، والتربية، والعمل، بشجاعة وإبداع. وأن يزداد ويتضاعف عدد الذين يصبحون يومًا بعد يوم صُنّاع سلام، من دون أن يحدثوا ضجيجًا، وبتواضع ومثابرة. ولتسبقهم وترافقهم دائمًا بركة الله إله السّلام!”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *