كتبت\هبه عبدالله
جرائم كثيرة يكون أبطالها مرضى نفسيين، أو يحاولون إدعاء المرض النفسى هربا من العقوبة، وكان آخرها الجريمة القضية المعروفة إعلاميًا ب”سفاح الإسماعيلية، والمتهم بها شخص قتل مواطنا ذبحًا عمدًا، وشرع في قتل اثنين آخرين وسط الشارع بالإسماعيلية، والذي زعم الدفاع الحاضر معه بجلسة المحاكمة أمام محكمة استئناف الاسماعيلية، بأنه مصاب بمرض نفسي ناتج عن تعاطي المخدرات، وكشف تقرير الطب النفسي لمرتكب مذبحة الإسماعيلية إلى أن المتهم حصل على درجة 95 باختبار الذكاء، وهذا يضعه في فئة المتوسط الطبيعي للذكاء، كما أظهر تطبيق اختبارات سمات الشخصية، ارتفاعا في معاملات الجريمة والاندفاعية والسيكوباتية، وهذا من قبل سمات الشخصية وليس من المرض النفسي أو العقلي، التي لا تؤثر على المسئولية الجنائية.
فى التقرير التالى، يلقى الضوء على السؤال المطروح في مثل هذه الوقائع التي يتخذ قرار فيها بإيداع المريض، بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية، وذلك بغرض وضعه تحت الملاحظة لمدة 45 يوما، والإجابة على السؤال متى يكون الاضطراب النفسى سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية أو ظرفًا مخففًا للعقوبة؟
من جانبه، قال محمد رشوان المحامي، إن الإرادة هي أساس القصد الجنائي الخاص بارتكاب الجرائم والقصد الجنائي هو الركن الثاني من أركان ارتكاب الجريمة، فالجريمة لها ركنين مادي ويمثل الفعل الخاص بالجريمة وهو فعل التعدي نفسه وهو المكون المادي، والركن الثاني وهو الركن النفسي وهو القصد أو الغاية التي تستقر في صدر المجرم وعقله وتنشيء رغبته وإصراره على ارتكاب الجريمة، ويستدل القاضي عليها من ظروف وملابسات الواقعه، وتكون هي السبب في تشديد العقوبة من عدمه، فالقتل مع سبق الإصرار يختلف عن القتل العمد ويختلف عن الضرب المفضي إلى الموت، والفرق بينهم في ركن الإرادة والنية، فإذا تأثرت الإرادة أو غابت بسبب علة أو مرض تزعزت هذه الأركان واهتزت وفقدت ثوابتها.
وأضاف ، أن المرضي النفسيين ليسوا جميعًا معفيين من العقوبة عند ارتكابهم الجرائم، وأن هناك نسبة بسيطة من المرضي النفسيين فقط يتم إعفاءهم من المسئولية الجنائية، ويتم إيداعهم في مستشفي الأمراض العقلية لسنوات طويلة قد تصل إلي مدة العقوبة، وحتي يكتمل شفاءه، أما باقى المرضى النفسيين حتى لو ثبت مرضهم يتم معاقبتهم مثل الأفراد العاديين، ويرجع ذلك إلى نوع المرض النفسى المصاب به المتهم.
وأوضح أن هناك العديد من الشروط الواجب اتباعها حتي يتم إعفاء المريض النفسي من عقوبة الجريمة المرتكبة، وأولها العرض على لجنة طبية متخصصة بعلم النفس الجنائي، مكونة من 3 إلي 5 أطباء تكمن مهمتها في مراقبة تصرفات المتهم ووضع تقرير بحالته الصحية، ووضعه تحت الملاحظة في مستشفى الأمراض النفسية ودراسة تاريخه المرضي منذ 15 عاما وبداية إصابته بالمرض، ومتابعة حالته 6 أشهرعلى الأقل، ثم بعد ذلك يتم تشخيص حالته بالنسبة للسن والظروف قبل الجريمة، ثم يصدر تقرير نهائي للجنة للفصل في مرضه من عدمه، وإن كانت الجريمة ناتجة عن المرض ومرتبطة بالحدث نفسه يتم إعفاؤه، أما إذا كانت الجريمة غير ذات صلة يتم معاقبته مثل أي شخص سوي.
واستطرد أن اللجنة المسئولة عن المتهم يمكنها تحديد طبيعة المرض النفسي للمتهم، وهل يجعله يقبل علي ارتكاب هذه الجريمة، وتحديد طبيعة الأدوية التي تناولها المتهم، وهل تسبب فقدانه للوعي عند ارتكاب جريمته، مشيرا إلى أن نوع المرض النفسي هو الذي يحدد هل يعفى من العقوبة أم لا؟ فلا بد أن يكون مرضًا خطيرًا ومرتبطًا بالعقل بدرجة كبيرة مثل التأخر العقلي، أو انفصام الشخصية، والاضطرابات الشديدة، مشددًا أن ادعاء المرض النفسي يعتبر ظرفًا مشددًا لتوقيع العقوبة ودليل إدانة ضد مدعي المرض، وليس في صالحه، ويجب تشديد العقوبة لأن الادعاء يساوي سبق الإصرار والترصد لارتكاب الجريمة، وليست صدفة.
كان المستشار حمادة الصاوى النائب العام، أمر بإحالة المتهم بقتل مواطن ذبحًا عمدًا بالاسماعيلية والشروع في قتل اثنين آخرين إلى محكمة الجنايات المختصة في محاكمة جنائية عاجلة؛ لمعاقبته عما نُسب إليه مما تقدَّم، وكذا تعاطيه موادَّ مخدِّرة، وإحرازه أسلحة بيضاء- دون مُسوِّغ قانوني- في أحد أماكن التجمعات بقصد الإخلال بالنظام العام.
كانت النيابة العامة أقامت الدليل قِبَلَ المتهم من شهادة المجني عليهما المصابيْن و10 شهود آخرين وما أسفر عنه اطلاعُها على مقاطع تصوير الجريمة، وتعرفها على المتهم بها، فضلًا عن إقرار المتهم تفصيلًا بارتكابه الجرائم المنسوبة إليه.
وما ثبت بتقرير مصلحة الطب الشرعي بجواز حدوث الواقعة وفْقَ التصوير الوارد في التحقيقات واحتواء نتيجة التحليل الخاصة بالمتهم على مُخدِّر سبق أن أقرَّ بتعاطيه وحدَّد نوعه في التحقيقات، فضلًا عن نوع آخر.
كما ثبت بتقرير إدارة الطب النفسي الشرعي الصادر عن المجلس الإقليمي للصحة النفسية خلوّ المتهم من أي أعراض دالة على اضطرابه نفسيًّا أو عقليًّا مما قد تفقده أو تنقصه الإدراك والاختيار وسلامة الإرادة والتمييز ومعرفة الخطأ والصواب، وذلك سواء في الوقت الحاليّ أو في وقت الواقعة محل الاتهام، مما يجعله مسؤولًا عن الاتهامات المنسوبة إليه.