أكرم القصاص يكتب: امتحانات الثانوية تنهى أسطورة الدروس الخصوصية وديناصورات الملخصات.. تطوير التعليم ظل مطلبا جماهيريا وبعض مَن نجحوا فى منح أبنائهم فرصة تعليم مميز يهاجمون مشروعات التطوير للحاق بالعالم

التعليم أهم من أن يبقى مجرد مبارزة بالبوستات والكوميكسات على منصات
التواصل الاجتماعى، ولا أحد يمكنه الادعاء بامتلاك الحقيقة، ولا توجد قضية
أكثر حاجة للنقاش أكثر من موضوع التعليم، ونقول هذا بمناسبة امتحانات
الثانوية العامة، وتكفى مراجعة الآراء والتحليلات والمناقشات حول التعليم
على منصات التواصل خلال السنوات الماضية منذ الإعلان عن بدء عملية التطوير،
لنعرف كيف تحولت القضية الأهم إلى موضوع للانتقام أو الهجوم الذى لا يستند
إلى أى قاعدة أو توثيق، الفكرة ليست فى تأييد شخص أو وزارة، لكنها دعوة
لتقييم ومناقشة، بناءً على سوابق.

 
واقع الحال لدينا يكشف أن استمرار نظام التعليم بالطريقة السابقة، من
رابع المستحيلات، العالم يتغير والتكنولوجيا تسبق البشر، والعلم يحتل
مكانته فى العالم، بينما التعليم فى مصر مجرد عملية تجريب متراكمة، تخلو من
علاج العَرَض، على مدى عقود ظلت عملية التطوير تتركز فى إلغاء سنوات
وإضافة أخرى مع استمرار الدروس الخصوصية والملخصات والكتب الخارجية
والمراجعات، التى تختصر التعليم فى منح الطالب القدرة على إجابة الأسئلة
بصرف النظر عما يتعلمه أو ما يحمله من الثانوية للجامعة.   

 

لدينا أنواع من التعليم العام والخاص والتجريبى والأمريكى والبريطانى،
والكوزموبوليتانى، ومعها وفوقها الدروس الخصوصية والملخصات، تخرج طلابا
يحتاجون للتعليم من جديد، وظل تطوير وتغيير التعليم مطلبا جماهيريا
ونخبويا، وبعض مَن نجحوا فى منح أبنائهم فرصة تعليم مميز، هم مَن شاركوا فى
مهاجمة مشروعات تطوير التعليم.

 
كان نظام الامتحانات قاعدة إضعاف التعليم، ومع تخريج تلاميذ بـ100 %، لم
يكن الناتج متناسبا مع المجاميع، حيث كان خريج الابتدائية والثانوية
القديمة يجيد اللغة العربية وبعض اللغات الأجنبية والرياضيات والعلوم
والآداب بشكل يتجاوز الخريج الحديث، كان التشخيص ظاهرا، والسيادة للدروس
الخصوصية والكتب الخارجية والملخصات، والتوقعات المرئية، التى تسمح للتلميذ
بالإجابة والنجاح، من دون ضمان لفهم أو معرفة. 

 

وخلال السنوات الأخيرة، ظهرت تعبيرات مثل بنك المعرفة، والأبحاث،
والمناهج، والامتحانات بالكتب المدرسية، واختبار الفهم، والرغبة فى خريج
يعرف بالفعل وليس مجرد آلة لحل الامتحانات، وفى الامتحانات أصبحنا نسمع
آراء من تلاميذ يتحدثون عن أسئلة تختبر التفكير، ونظام يقوم على اختيارات
بينها فروق بسيطة، وأن كل طالب يجيب بعقله، وأنه لا توجد إجابة نموذجية،
وكلها طرق بالتأكيد تضرب مصالح فئات عاشت تتطفل على التعليم والتلاميذ
وأولياء الأمور.

محترفو الدروس الخصوصية وتجار الكتب الخارجية وأباطرة الملخصات ودهاقنة
المراجعات النهائية والأسئلة المتوقعة، أسطورة الكيمياء، وديناصور الأحياء،
وعنقاء اللغة الفرنسية، كل هؤلاء يفقدون مصالحهم، ونفوذهم، وقدراتهم على
امتصاص مليارات التعليم الضائعة، ولهذا فهم أول مَن يهاجم تطوير التعليم،
ومَن يشن حروبا على أنظمة الامتحانات التى تضيع مصالحهم، وهم مَن يطلقون
شائعات مثل سؤال «جمع حليب» ومفرد أخطبوط، وإعراب جمبرى، وهم مَن سوف
يخترعون كل ما يمكنهم من تخويف الناس أو تبرير عجز طلاب الدروس عن حسم
الإجابة، بالرغم من الملخصات والكبسولات.

 

الهجوم والحرب ضد نظام الامتحانات فى الثانوية، ليس هجوما على وزير، أو
حربا على وزارة ونظام جديد، لكنه دفاع عن مصالح الباطل، ومَن أفسدوا
التعليم على مدى عقود وحولوه لتجارة ومضاربة.

 

من حق الناس أن تطمئن لنظام التعليم، بعيدا عن الشائعات والبوستات، والتى
تدافع عن مصالح عصابات امتصت مليارات على مدى عقود وأفسدت التعليم، وحولت
الدروس الخصوصية إلى مخدر يدمنه الطلاب، ويظنون أنهم لا يستطيعون التخلى
عنه، ومع تغيير نظام الامتحانات يخوضون حربهم الأخيرة، وطوال أربع سنوات لم
تتوقف الهجمات ومساعى التشكيك والتقليل من جهد التطوير.

 
ما يجرى فى امتحانات الثانوية، العام الماضى والحالى، يشير إلى تغيير، تم
تجريبه فى أنظمة تعليم حديثة ناجحة، وليس مجرد قفز فى الفراغ، ونحتاج إلى
تفهمه وهضمه، وتقييمه وليس هدمه، والأمر لا يرتبط بوزير، لكن بدولة قررت
تطبيق مطالب ظلت معلقة طوال عقود، وهو تغيير بناءً على مطالب الجماهير،
ولصالحها وليس لصالح تجار الدروس والملخصات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *