رغم اختفاء مظاهر الريف والحياة الريفية وظهور كل ما هو جديد وحديث في كل
مكان، إلا أن الطبيعة البكر كانت من أهم العناصر الأساسية التي تميز الحياة
الريفية بشكل عام، وهذا ما حافظت عليه “المزرعة السعيدة”، فبمجرد أن تطأ
قدميك القرية المحمودية بمحافظة الشرقية سوف تجد مكانًا مفعمًا بالطبيعة
والحياة الريفية البدائية الجميلة.
ظهرت كل مظاهر الريف بداخل المزرعة السعيدة كما أطلق
عليها متابعون على فيس بوك، ولم تقتصر المزرعة على وجود المناظر الطبيعة،
لكن كانت بها ظاهرة تفرح العين من أجل رؤيتها، إذ من غير المعتاد ظهور
مجموعات مختلفة من الرجال والشباب الذين يشاركون بتحضر أشهى الأكلات على
الكانون والفرن البلدي.
قال سامح قنديل أحد أبناء قرية المحمودية التابعة لمحافظة الشرقية في حديثه “تخرجت
في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية ولكني اتخذت مسارا مغايرا لطبيعة
دراستي، إذ يعود الفضل في ذلك لمعلمي في المرحلة الثانوية والتي كثيرا ما
تعجبني آراؤه“.
فمعلمي أسدى لي النصح قائلا: “حاول
تشتغل كويس في شبابك عشان لما توصل لسن الأربعين تبقي عملت مشاريع كفاية
تخليك تعرف تستمتع بحياتك ومتبقاش مضطر تقضي فترة الستينات من عمرك في
المستشفيات“.
واصل سامح حديثه: “عملت جاهدا حتى
استقر بي المقام وأصبحت أمتلك مصنعا صغيرا للألبان، ولاحت بخاطري فكرة
السفر وفتح فروع عديدة لمصنع الألبان في دول مختلفة، وكانت البداية في
السودان، ومن ثم أصبح السفر هوايتي، وقمت بزيارة ثلاثين دولة حتى الآن“.
أردف سامح قائلاً: “كانت الإقامة
من ضمن العقبات التي تحول دون الاستمتاع بسفري في الكثير من الدول، ولكن
تعرفت على العديد من الأصدقاء عن طريق الفيسبوك وكانوا يقومون باستضافتي في
الاستراحات الصغيرة؛ مما أوحي لي بفكرة عمل مزرعة تشبه هذه الاستراحات،
وتكون مؤهلة لاستضافة زواري من الأجانب، وكذلك جلسات الأصدقاء الذين قاموا
بطرح العديد من الأفكار لتطوير المزرعة حتى صارت على الحال الذي وصلت إليه
الآن بعد مرور عشر سنوات“.
عن شهرته في السوشيال ميديا يحكي “سامح” أنه سافر للدول
الثلاثين من خلال أصدقاء تعرف عليهم من الفيس بوك وحتى سفره الداخلي تم
بنفس الطريقة“.
أما عن الأكلات التي تم عرضها على جروبات الفيس بوك، أوضح
سامح أن رواد المزرعة خلال الخمس أو الست سنوات الأولى كانوا أصدقاؤه،
ومنهم هواة أكل، حيث كان الأمر مرهقا وشاقا على أهل بيته لإعداد الطعام
الكافي لمثل هذه الأعداد، وأيضا لكونهم يزورونه بشكل دوري، ومن هنا كان
القرار بأن يقوموا بإعداد طعامهم بنفسهم، وتعددت الأصناف بين “أرز معمر وسمك وفطير“،
وتطورت أفكار الأكل لتشمل مقترحات من خارج حدود الشرقية، فقاموا باستخدام
عسل النحل في عمل وصفات شهية للدجاج، خاصة أن المزرعة ملحقة بمطبخ وبها
فرن بلدي وكانون يدوي“.
واصل “سامح” قصته مع الصحبة والطبيعة البكر قائلًا: “بدأنا
نبتكر أكلات جديدة ونقوم بتصويرها ونشرها على جروبات الفيس بوك والتي لاقت
رواجا وتفاعلا كثيرا، ومنذ أربعة شهور مضت أبدى الكثير من الناس رغبتهم في
زيارة المكان، فكان الأمر مرهقا ماديا، من حيث ضيق الوقت استقبال عدد لا
يقل عن ثلاثين شخصا في اليوم الواحد، حتي جاء أحدهم بفكرة أن تكون هذه
الزيارات بأجر رمزي، بحيث يكون الطعام فقط مدفوع الأجر، وغير ذلك من
الأنشطة المختلفة، فهي مجانية ويستثنى من دفع الرسوم أصدقائي، حيث إننا
نتبادل الزيارات، ونتشارك في إعداد المجلس من طهي الطعام لغسيل الأطباق
وتهذيب المكان.
وأشار “سامح” إلى أنه من هواة النوستاليجا واقتناء كل ما
يعبق بنفحات الماضي الجميل؛ ولأنه ابن الريف فالقلة والفرن البلدي الكانون
وغيرها من موروثات الريف موجودة والمكان يحوي كثيرا من المقتنيات التي توثق
صلته بالريف المصري.
وعن المزرعة السعيدة، قال إن الناس تميل إلى أكل الريف،
لاسيما مع أجواء الريف المصري، التي تطغى على المكان، فتحوي قائمة الطعام
الجبنة القديمة والقريش والفطير المشلتت وعسل النحل من منحل خاص بالمزرعة
فكل شيء من إنتاج المزرعة.
أما عن الأصدقاء فالطعام يكون باتفاق مسبق وغير مرتبط بقائمة الطعام، روى “سامح” أن فكرة المزرعة هي أن تنال نصيبا من اسمها، والذي تم اختياره عن طريق روادها.