آه يا وطني كم عانيت من الضياع والتقسيم . بلدي فقير بكل ما يملك، مسكين يستجدي الرغيف، لكنه باقي ببقاء الليالي والأيام .
بلدي يصارع الجدران التي طوقته، والأفكار التي
غلّفته، وبدماء ابنائه يكتب قصته، تُهم موجودة، افتراءات حاضرة، زنادقة
متوفرة، مهرجون كثيرون، لا تتعب في البحث عنهم، فإنّهم متوفرون، وأثمانهم
زهيدة، هذا سفير، وذاك امير، حجة و نحرير و …
الجياع، جُهّال في بلد العلماء! أموال استأثروا بها، وقصور تحصّنوا بها،
وحماة غلاظ يلوذون بهم عند النوائب،
رجال القرطاس جهلهم بحجم شياطينهم التي تحكمهم،
يحاربون العلم باسم العلم، يقتلون الكلمة باسم الحرية، يروجون الفتن،
يستأنسون لتقبيل الأيادي، ويكفرون الافكار.
الذين أستوردهم وطني، أم الذين باعوه، الذين كانوا جياع واليوم شبعوا ولن
يشبعوا، أم الذين جاؤوا من وراء البحار؟! أجده عند الحكومة، أم عند
البرلمان، بين الاحزاب، أم عند الافراد و الجماعات؟ أجده في حقول النفط أم
في الميناء؟ في السجلات، أم في الكتب والمجلات؟ هل أكتب إعلان على من يعثر
على وطن مفقود يسلمه إلى ذويه ؟
قرارات الأمم، اغلبهم يبكون عليه وهم يذبحونه بخناجرهم، فصرختُ بعالي الصوت
أين اجد وطني؟
تجار يجمعون الاموال ويملؤون البطون.
ذاك! في البضاعة الصينية أم التركية؟ لا أعلم أين أبحث عنه، في سوق العملة
أم في سوق النخاسة؟
مفلس وجائع ومديون، عجيب هذا الأمر!. يفرح السارق ويبكي المؤمن بسبب وطني،
آه لم لا يقتلهم , لا يطردهم، فهل هو معاق أم خائف لا يتجرأ؟!
أريد وطني .
فجاء النداء من الثلاثة عندنا وطنك، خذه فأخذته
وشممته وعانقته وقبلته لكنني وجدته يحتضر ويتألم، يكتم في صدره آلام السنين
وجروح الابناء الذين طعنوه بخناجرهم المستوردة، كم أنت صبور كم أنت غيور
إلى متى تبقى ساكت مقموع يا وطني؟!.
اصرخ يا وطني وابعد عن صدرك كلّ الآهات، هيا أنهض
لا تنتظر. اخرج من وحل اليأس، ازح غبار الذل عنك وطهر ثوبك بماء نهريك، انت
جميل بنخيلك وشامخ بجبالك وكبير بقلوب ابنائك.
نعم أجد وطني في الاحياء المحرومة، والنساء
المرملة، والشباب البائسة، والجثث المحرّقة، أجده عند دموع الأيتام، وآهات
العجائز، وأجده عند مريض يبحث عن دواء فلا يجد، وغريب يطلب العودة بعد طول
اغتراب، وجائع يطلب الخبز بعد عناء! أجده عند أطفال يبيعون المناديل
والسجائر عند اشارات المرور، وأجده عند حمال يئن الليل من التعب، وعند عامل
النفايات وهو يستخرج علب البلاستك؟ وأجده عند مهاجر ينتظر وطناً بديل،
وعالم يحكمه جاهل؟ أجده عند الثياب الممزقة، وفي المقابر المبعثرة لشباب
تناثرت ارواحهم في سماء الوطن، هل أجده في سوق مغشوش وميزان عاطل؟ أأبحث
عنه بين أصحابي المجتمعين حولي المفترقين عني.