بات الديمقراطي جو بايدن قاب قوسين أو أدنى
من تولي رئاسة الولايات المتحدة خلفا للرئيس الحالي دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يترقبه
العالم بأسره، لما سيسفر عنه من تداعيات، ذلك أن لبلاد “العم سام” تأثيرا
كبيرا في ملفات عديدة.
واقترب المرشح الديمقراطي كثيرا من حسم
سباق البيت الأبيض، حيث لم تعد تفصله سوى 6 أصوات للحصول على 270 صوتا المطلوبة للفوز
بالرئاسة.
وتنتظر مختلف دول العالم على أحر من الجمر
لمعرفة استراتيجية “سيد البيت الأبيض” خلال الأعوام الأربعة المقبلة، في
وقت تعيش فيه القرية الكونية تغيرات جيوسياسية واضحة.
وتحظى الانتخابات الرئاسية الأميركية باهتمام
دولي واسع، على اعتبار أن الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم ورئيسها يمتلك نفوذا
كبيرا، كما أن قراراته تؤثر على بقية أنحاء الكرة وعلى شتى المجالات.
في التقرير التالي، نستشرف أوضاع العالم
والمنطقة العربية ومآل عدد من القضايا في حال انتخب بايدن رئيسا للولايات المتحدة.
وأجمع الخبراء على أن الإدارة الأميركية الجديدة ستهتم في بداية ولايتها
بشؤون البلاد الداخلية، التي تتميز بعدم الاستقرار، في ظل تداعيات فيروس كورونا وأرقام
البطالة المرتفعة وحالة الاستقطاب الداخلية.
وأوضحوا أن بايدن “لن يكون بالتأكيد
صيغة ثانية لأوباما”، حيث أن المنطقة تغيرت جيوسياسيا عن فترة الرئيس الأميركي
السابق، كما أن قادة الدول العربية والخليجية صاروا “أكثر وحدة وانسجاما”،
الأمر الذي من شأنه أن يقف حجر عثرة أمام عودة الأحزاب الدينية وعلى رأسها الإخوان
إلى الواجهة.
أما فيما يخص السياسة الخارجية، فلا يتوقع
الباحثون أن تشهد “تغيرا كبيرا”، رغم تباين الرؤى بين الديمقراطيين والجمهوريين.
المنطقة العربية في وضع أفضل
يقول متابعون إن بايدن سيتسلم مفاتيح البيت
الأبيض في وقت تعيش فيه المنطقة العربية وضعا أفضل في ظل وحدة وانسجام قادة السعودية
والإمارات ومصر، مشيرين إلى أن الرئيس الجديد سيعمل على تعزيز التعاون معهم لمكافحة
الإرهاب ومحاربة التطرف وتحقيق التنمية والسلام.
في السياق ذاته، لفت الإعلامي والمحلل السياسي
في فرنسا، مصطفى الطوسة، إلى أن من يعتقد أن بايدن “سيعيد المنطقة العربية والخليجية
إلى معادلات ما قبل باراك أوباما مخطئ”.
وأضاف أن المنطقة “طرأت عليها تغييرات
جذرية، كما أن الدول العربية والخليجية باتت تعرف جيدا من يهدد أمنها واستقرارها، وتحالفت
لخلق وضع سياسي واستراتيجي جديد.. وبالتالي فسيكون من المفروض على بايدن التعامل مع
الوضع”.
وأعرب الطوسة عن ارتياحه للتحالف الذي يشكله
كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والشيخ محمد بن زايد آل نهيان،
ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،
مبرزا أن بايدن سيتعامل مع هذا التحالف بواقعية وعقلانية.
وأكد أن “هذا الثقل الاستراتيجي السياسي
الاقتصادي الذي تشكله السعودية والإمارات ومصر لا يمكن لأي رئيس مهما كانت قوته ومقاربته
أن يتجاهله.. والأكيد أن بايدن سيجعل منه محاورا رئيسا في الإقليم لحل مختلف النزاعات”.
الاتفاق النووي مع إيران
إلى ذلك، قال الباحث في مركز الأهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية، أحمد كامل البحيري، إن إدارة بايدن لن تسلك مسارا مغايرا عن
النهج الذي اعتمده ترامب في السياسة الخارجية.
وأوضح البحيري أنه لا يوجد أي خلاف بين
ترامب وبايدن حول العلاقة مع إيران، مضيفا “وبالتالي، فإن استراتيجية بايدن تجاه
طهران لن تختلف”.
وتابع: “ستختلف الأدوات، حيث أن ترامب
انتهج سياسة فرض العقوبات ومحاصرة إيران اقتصاديا، إلا أن بايدن سيحاول لملمة الانقسام
والانشقاق مع أوروبا تجاه إيران.. وسيسعى إلى التوصل إلى موقف موحد”.
من جهته، اعتبر الأكاديمي والباحث السياسي
الكويتي، عايد المناع، أن التغيير الجذري في سياسة أميركا تجاه إيران “لن يحدث”،
مشيرا إلى أن أميركا لها مصالح وعلاقات تاريخية مع المنطقة العربية والخليجية، وبالتالي
ستحاول حمايتها والحفاظ عليها.
وأضاف: “لا أستبعد في الحقيقة أن تكون
هناك محاولة فتح نافذة مع إيران، لكن الاتفاق النووي لن يعود كما كان.. سيكون هناك
حديث عن تطوير الاتفاق بحيث يأخذ بعين الاعتبار مصالح الخليج والضغط على النظام الإيراني”.
وأبرز المناع أن المنطقة ليست ضد الاتفاق
النووي، لكنها ترغب في تحقيق مصالحها، وهو ما سيتم التوافق عليه مع الإدارة الأميركية
المنتظرة.
الباحث الاستراتيجي حمود الرويس سار في
نفس الاتجاه، وقال إن بايدن “لن يدفع بعملية العقوبات للأمام، لكنه سيعود إلى
التفاهمات مع إيران”.
وأوضح: “إدارة بايدن لن تتنازل عن
المطالب الأميركية فجأة، إنما ستساعد على صياغة مفهوم قريب جدا من الاتفاق النووي الذي
تم في عهده كنائب للرئيس أوباما”.
العلاقة مع تركيا ورئيسها
يرى الرويس أن بايدن سبق له أن وجه نقدا
حادا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مضيفا “بمجرد صعود بايدن في السباق الرئاسي
ستبدأ آثاره على العملة التركية والتي تتأرجح تحت ضغط تهاوي الاقتصاد التركي”.
وأردف الرويس قائلا إن “ردة فعل الإدارة
الأميركية تجاه تشغيل منظومة –إس400- الروسية ستكون عملية وسيبدأ اتفاق الجمهوريين
والديموقراطيين في الكونغرس حول فرض عقوبات على تركيا وهذه كفيلة بالضغط على الليرة
التركية والاقتصاد وفتح قضايا مثل سعي تركيا لزعزعة الاستقرار في شرق المتوسط ونقل
ودعم الإرهابيين إلى ليبيا”.
أما الباحث البحيري فذكر أن ترامب لم يتحرك
بما يكفي لردع أردوغان، مشيرا إلى أن بايدن سيكون مختلفا وأكثر وضوحا، حيث يمكن أن
يصل إلى مرحلة “إعادة بناء حلف الناتو خصوصا إذا اتفقت وجهات النظر مع أوروبا
على ضرورة الضغط على تركيا”.
الأمر نفسه أكده عايد المانع أيضا، الذي
كشف أن علاقة بايدن وأردوغان “ليست على ما يرام”، مضيفا “الرئيس الجديد
يتعاطف مع الأكراد في تركيا وعبر في أكثر من مناسبة عن رفضه لما يجري من عنف ضد الأقليات
في تركيا وضد توسعات أردوغان في المنطقة”.
وتابع: “الأكيد أنه سيحاول ممارسة
ضغوط على تركيا بأدوات مختلفة، لإلزام أردوغان بتغيير سلوكه”.
السلام مع إسرائيل
يشدد المراقبون على أن السلام مع إسرائيل
مهم للجميع في أميركا والمنطقة، كما أنه لم يكن “مطلب ترامب وحده”.
وفي هذا الصدد، ذكر الباحث في مركز الأهرام
للدراسات السياسية والاستراتيجية أن بايدن سيواصل دعم جهود السلام مع تل أبيب، مضيفا
“الرئيس الجديد لن يسرع في الملف كما فعل ترامب، لكنه سيركز عليه، على اعتبار
أنه يهم المنطقة والعالم”.
الأكاديمي عايد المانع أفاد بأن بايدن من
أصدقاء إسرائيل وعبر عن ذلك مرارا، مما يعني أنه سيواصل حث الدول على الانضمام لعملية
السلام، لاسيما وأن “أمن إسرائيل مرتبط بأمن المنطقة العربية والخليجية”.
من ناحيته، أبدى الباحث الرويس اعتقاده
بأن يواصل بايدن دفع المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى عملية السلام مع إسرائيل،
مبرزا أن نهجه سيكون مختلفا.
كما ذكر المحلل السياسي الطوسة أن بايدن
عبر في وقت سابق عن ترحيبه باتفاقات السلام التي تمت مع إسرائيل، “وبالتالي، فلن
يكون هناك تغيير جذري في سياسة بايدن تجاه هذا الملف، باستثناء تقديم دعم أكثر زخما
للجانب الفلسطيني ليحصل على حقوقه”.
وأجمع المتحدثون على أن الدول العربية والخليجية
ستعمل على الترحيب بالرئيس الجديد، وإقامة علاقات هادئة معه في مستهل ولايته، قبل أن
تتعزز التحالفات لمواجهة التهديدات.
وختم الدكتور عايد بالقول “أميركا
تدرك أن دعمها للدول العربية والخليجية يأتي نتيجة حرصها على أمنها وأمن إسرائيل من
تهديدات إيران والتنظيمات الإرهابية، لذلك فهي مضطرة للتعاون والتواصل مع حلفائها في
المنطقة”.
يبدو إذن أن السياسات الخارجية لإدارة بايدن
في الشرق الأوسط لن تختلف كثيرا عن سابقتها في عهد ترامب، وهو ما يتعارض مع توقعات
ومخاوف العديدين بشأن “عودة العالم لفترة باراك أوباما”.