“جسر من الحياة الفانية للأبدية”.. حكايات مغسل موتى عن قصص الفقد والرجاء.. أسرار 22 سنة فى المهنة ومعايير صناعة التابوت في الكنيسة.. وهذه أصعب مشاهد الغسل

كتبت\هبه عبدالله

في لحظات الوداع الأخيرة، تتوقف عقارب الزمن، ليحل الصمت مكان كل شيء، فبين دموع الفقدى وصلاة المؤمنين يظهر التابوت كجسر بين الحياة الفانية والأبدية، فهو ليس مجرد صندوق خشبي يحمل جسدًا هامدًا بل قطعة حية تحمل بين أركانها ذكريات الراحلين، حبهم، وآثارهم في قلوب أحبائهم.

وهناك فى أركان الكنيسة الهادئة تتحول الخشبة البسيطة إلى شاهدٍ على أعمق مشاعر الإنسانية: الحزن، والرجاء، والحب الأبدى، فالتابوت ليس مجرد صندوق؛ بل رحلة مصنوعة بأيدى تنسج بين الرحمة والحرفة، وفيه تمتزج دموع الفقد مع رموز الإيمان، لتروى حكاية عبور الروح من عالمنا الزائل إلى الأبدية.

التوابيت فى الكنيسة

التوابيت فى الكنيسة

وبعيدًا عن الأنظار، يقف صانعو التوابيت ومغسلو الموتى كجنودٍ مجهولين، يلامسون الحياة والموت بكل احترام وصمت. بأيديهم، يصنعون الوداع، ويضيفون لمسة إنسانية لرحلة تنتهي في أحضان الأرض، لكنها تبدأ في السماء.

وفى شارع منشية التحرير بعين شمس ذهب  إلى نبيل البطل ذلك الرجل الذى أخذ على عاتقه مهمة صعبة وشاقة ومليئة بالضغوط نتيجة موقف تعرض له منذ 22 عاماً وهو وفاة حماته ولم يعرف وقتها كيف يتصرف وماذا يفعل ومن يخاطب ليقرر بعد هذا الموقف بأن يصبح متعهد الجنازات ومغسل موتى، مهما كلفه هذا الأمر من وقت ومجهود وتضحيات.

نبيل البطل متعهد الغسل والتوابيت

نبيل البطل متعهد الغسل والتوابيت

نبيل البطل قال خلال لقاؤه مع تليفزيون  إنه يعمل فى المهنة منذ حوالى 22 سنة، بسبب هذا الموقف  وكانت البداية في ورشة صغيرة، ومن حوالي 3 سنوات فقط بدأ في فتح مكتب خاص بي، مؤكدا على تعلقه الشديد بها وأنه مصدر رزقه، قائلا إنها فى النهاية خدمة بها رحمة وليس تجارة.

وأضاف البطل أنه تعلم الغُسل ويقدم هذا العمل خدمة تطوعية بدون أي أجر، لأى شخص أيا كان حالته، قائلا إنها يخدم كافة الطوائف المسيحية، بالإضافة إلى شهود يهوا أيضا فالغالب كل الصناديق لابد من وجود صليب عليهم، وعلى سبيل المثال شهود يهوه غير محبيين للصليب على الصندوق، والإنجيلين أو البروتستانت يفضلون وجود آيه وليس الصليب.

جانب من أدوات الغسل والزى الكهنوتى

جانب من أدوات الغسل والزى الكهنوتى

وعند سؤال البطل عن أكثر موقف حزين تعرض له في رحلته، أشار إلى صناديق الأطفال وقال إن الموضوع في حقيقته مؤلم على الجانب الشخصي، وسرد أحد المواقف التي تعرض لها أنه جاء له شخص باكيا ويحتاج صندوق أطفال، وقال له أنه ذهب لجميع الكنائس ولم يجد صندوق صغير، فمن هذه اللحظة جاءت له فكرة تصنيع صندوق للأطفال وسعى إلى وجوده بالمحل باستمرار وبمقاساته المختلفة، وذلك بالإضافة إلى توافر الملابس الخاصة بالأطفال، وملابس التناصير لحديثي الولادة حتى سنة ونص، من بعد ذلك لهم تونية خاصة بالبورنس.

نبيل البطل متعهد الغسل وتوابيت الكنيسةنبيل البطل متعهد الغسل وتوابيت الكنيسة

وخلال لقاؤنا مع نبيل البطل وجدنا عدد من الصناديق تحمل أسماء باباوات الكنيسة مثل البابا شنودة الثالث والبابا كيرلس السادس وصندوق الأب فلتاؤس وصندوق الأم إيرينى، وذكر البطل أن هذه الصناديق تشبه صناديق الراحلين في الشكل ولذلك يطلبها المسيحيون  لتقاربها في الشكل، موضحا أن صندوق البابا شنودة الثالث كان بسيط ومنقسم إلى نصفين ولونه أبيض وعليه صليب قداسته والمقابض الخاصة بالعشاء الرباني، وهذا النوع بها تنجيد من الداخل، ومن الصاج وليس صناعة مصرية، وبه أيضا منافلة ترفع النصف الأعلى إلى فوق للوصول لغطاء الصندوق، والسبب هنا هو الوداع وإلقاء النظرة الأخيرة في الكنيسة، فمن لحظة رحيله بدأت الناس تميل أكثر للصناديق البيضاء، عكس البداية كانت الألوان الغامقة هى الأكثر إنتشارا، والأبيض معروف للشباب.

وذكر أن أفضل ما يميز الصناديق إكسسوارتها من الجانبين تشبها بالعذراء أوالملاك والعشاء الربانى، وهناك ماسورة أو مقابض من كل جانب مقبضين،  وجميع الإكسسورات تأخذ اللون الذهب بعد رشها وليست ذهب أوفضة أصلية، وحسب الشكل والإكسسوارات وخامة الخشب يختلف السعر.

نبيل البطل والزميل محمد الأحمدى والزميلة بتول عصامنبيل البطل والزميل محمد الأحمدى والزميلة بتول عصام

وأشار البطل إلى أن الصناديق تصنع بمقاسات متفاوتة، ويصل بعضها حتى 320 كيلو، فمثلا الصندوق الطبيعى يكون 60 سم عرض والمقاس الأكبر يصل مثلا لـ75سم، وفي كل الحالات هناك ارتباط بمقاس محدد لمدخل المدفن، وبالنسبة للطول فهناك صناديق أيضا تتخاطى الـ2 متر فتصل إلى متر و20سم.

وحول الاختلافات بين الكنائس في شكل الصندوق ذكر أنه لا يوجد شكل محدد لكل كنيسة، ولكن تختلف باختلاق مطالب المسيحى نفسه سواء كان مسيحى أو كاهن أو قمص أو أسقف أو صندوق البابا من إكسسوارات معينة أو نوع معين من الخشب أو سعر محدد، وذكر أنه يتعامل فى بعض الحالات مع أشخاص من خارج القاهرة، حيث يقوم بتغسيل المتوفى من المستشفى وووضعه في الصندوق والصلاة عليه بالكنيسة ثم دفنه.

صناديق الموتىصناديق الموتى

وسألنا البطل عن أكثر موقف إنسانى أثر فيه خلال رحلته بهذه المهنة أنه كان في طريقه لتغسيل متوفى طلب أهله أن يذهب لهم وفؤجى بعد وصول أن المتوفى طفل وكانت أول تجربة له يغسل فيها طفل فكان الأمر أكثر صعوبا وبكى ونزلت دموعه وهو يغسله.

وتحدث عن أبرز المواد المستخدمة في الغسل للموتى ذكر أن أبرزها ” الليفة والشاور والكولونيا والحنوط” ويرش ذلك بعد التغسيل على المتوفى ويوضع معه الصليب فى الصندوق، وذكر أن الصليب أساس الصندوق.

تابوت إيطالى مستوردتابوت إيطالى مستورد

وحول أسعار الصناديق قال إن أسعار الصناديق تبدأ من سعر 1500 جنيه حتى تصل إلى مبلغ 35 ألف جنيه ويكون الاختلاف في الإكسسوار والتنجيد واستخدام المفروشات الفايبر والستان ويوجد صناديق عليها صليب فقط وفى كل الأحوال يساعد أهل المتوفى في المقام الأول وخصوصا صناديق الأطفال.

وتحدث عن الصناديق المستوردة قائلا “إن أبرزها صندوق البابا شنودة وصندوق يحمل صورة المسيح وصناديق بمواصفات خاصة تكون مستوردة من اليونان وإيطاليا”.

أشكال التوابيتأشكال التوابيت

أشكال خارجية للصلبان على التابوتأشكال خارجية للصلبان على التابوت

الصليب على التابوت من الخارجالصليب على التابوت من الخارج

شكل التابوت من الداخلشكل التابوت من الداخل

شكل داخلى للتابوت فى الكنيسةشكل داخلى للتابوت فى الكنيسة

صورة المسيح على أحد التوابيتصورة المسيح على أحد التوابيت

لقاء اليوم السابع مع نبيل البطللقاء اليوم السابع مع نبيل البطل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *