كتب\هشام الفخراني
قدمت الحضارة المصرية القديمة عالمًا متكاملا دالا على إنسانيتها وتقديرها لكل ما يحيط بها، ومن ذلك الحيوانات، ولعل موقفها من “الكلاب” يدل على ذلك، فقد تم اكتشاف العديد من الدفنات لكلاب في جبانات أثرية، فلماذا كل هذا الاهتمام.
يقول كتاب “لعبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية” لـ زينب عبد التواب رياض:
كانت الكلاب من الحيوانات المفضَّلة لدى المصري القديم؛ فهي الرفيق لأصحابها في الحياة، وكانت أيضًا تُستخدم في أعمال الصيد، والحراسة، ولعلَّ العثور على دفناتٍ لها في تلك الفترات المبكرة من التاريخ، يُعَد دليلًا على مكانتها وأهميتها، بل وتقديسها.
ولقد خضعت دفناتُ الكلاب لتفسيراتٍ عدة؛ إذ فسَّر Houlihan وجودَ دفنات الكلاب بجوار المقابر الآدمية، على أنها كانت بغرضِ الاستفادة منها كحيوانات حراسة، لتقوم بدورها الذي كانت تقوم به في الحياة الدنيا أيضًا في العالم الآخر، ويؤكد ذلك كلٌّ من Friedman وAdams. هذا، ولقد اعتُبرت الكلاب بمثابة آلهة حارسة للجبَّانة، وقد ربط بعض الباحثين بين الكلب وابن آوى، باعتباره أحدَ الحيوانات ذات الفصيلة الكلبية، الذي كان يسكن الصحراء بالقرب من الوادي، وكان ذا طبيعةٍ هجوميةٍ سريعةٍ قويةٍ، واشتُهر بمهاجمة الجبَّانات لأكل الجِيَف، فارتبط بعالم الغرب والموتى، واتخذه المصري القديم إلهًا حارسًا للجبَّانة، تجنبًا لشرِّه.
ويرى علي رضوان أنَّ «ابن آوى» إنما يشير إلى وظيفةٍ أخرى، تختلف عن تلك المعروفة بأنه «حامي وحارس للجبَّانة»؛ فهو يؤَمِّن وصولَ ضوء الشمس إلى العالم السفلي، وأنه المسئول عن جلب النور، أي الحياة، باعتبار أنه وب واووت (فاتح الطريق لإله الشمس)، ولعلَّ هذا هو أبلغُ تفسير، لا سيما وأنَّ أكثر دفنات الكلاب التي عُثر عليها، كانت قد التزمت بالاتجاه الشرقي أو الشمالي الشرقي في الدفن، وكأنها تستقبل الشمس، وتؤَمِّن الحياةَ لصاحب المقبرة. وربما يعود تقديس حيوان ابن آوى إلى عصر نقادة الأولى، حيث ظهرت تمائمُ في هيئة ابن آوى، ذلك الحيوان المقدَّس الذي ارتبط بعالم الموتى، وارتبط أيضًا بحماية الموتى وحماية الجبَّانة. ومن ثمَّ، فوجود الكلب في الجبَّانة، كان وجودًا ضروريًّا؛ إذ يوفِّر الحماية والأمان، فكما كان حارسًا أمينًا في الدنيا، فهو الحارس الأمين أيضًا في العالم الآخر.
هذا، ولقد أوضحت النصوص المصرية القديمة دورَ الكلب في العقيدة المصرية؛ إذ كثيرًا ما أثنَت على سرعة الكلب التي وصفتها بأنها تشبه سرعةَ البرق، فوُصِف بكونه «وب واووت»، أي فاتح الطُّرق، واعُتقد بأنه التمثيل الحقيقي لأنوبيس محنِّط الموتى ومرشدهم.
ولقد أوضح كتاب الموتى، كيف كان المصري القديم كثيرًا ما يرجو لنفسه سرعةَ الكلب؛ ففي الفصل ٢٤ تشير إحدى التعويذات إلى تمني أن يصبح الإنسان في سرعة الكلب.