الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون

الدبلوماسية التشاورية.. مصر تتحرك على مسار ثنائى لتحقيق توافقات حول غزة تزامنا مع الإطار الجمعى.. المساعدات ورفض التهجير والأسرى أبرز المشتركات مع الغرب.. وتبني قاعدة دولية قابلة للاتساع للضغط على الاحتلال

كتبت\هبه عبدالله

تحركات مصرية نشطة للغاية، في ظل رغبتها الملحة في احتواء الموقف الذي يشهده قطاع غزة، في اللحظة الراهنة، وهو ما بدا في العديد من الخطوات المتواترة التي اتخذتها، في الأيام الماضية، بدءً من الدعوة إلى مؤتمر دولي، ثم انعقاده في القاهرة، مرورا بإرسال قوافل من المساعدات إلى سكان القطاع الذين يعانون جراء القصف المتواتر، وتسهيل وصول مساعدات الدول الأخرى، وحتى العمل على ملف الأسرى، والنجاح المنقطع النظير، في إطلاق سراح أسيرتين إسرائيليتين، لتقدم نفسها في دور جديد، يتجاوز الوساطة التقليدية، التي تعتمد منهج التهدئة، بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى شريك حقيقي للمجتمع الدولي، يمكن الاعتماد عليه لتحقيق اختراقات كبيرة، ليس فقط فيما يتعلق بالوصول إلى هدنة مؤقتة، وإنما في حلول الوضع النهائي بالقضية طويلة الأمد.

وهنا يصبح التحرك المصري في التعامل مع الأوضاع في غزة، ومساعيها لتحقيق تهدئة في أقرب وقت ممكن، يعتمد 3 مسارات رئيسية، أولها يعتمد على “التشاور” الدولي، سواء في إطار جمعي، على غرار قمة “القاهرة للسلام” والتي انعقدت السبت الماضي، أو ثنائي، في ظل الزيارات المتواترة لكبار المسؤولين الدوليين للقاهرة خلال الأيام الماضية، بينما تعتمد في مسار آخر، النهج الإنساني، عبر التركيز على قضية المساعدات، وضرورة وصولها إلى سكان القطاع، في ظل ما يعانوه من قصف متواتر، وما تخلله من انتهاكات خطيرة، سقط ضحيتها الألاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، بينما يبقى ملف الأسرى مسارا ثالثا، في ظل الاهتمام الكبير به من قبل العديد من دول العالم، في ظل وجود أعداد من مزدوجي الجنسية بين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

وتبدو الملفات الثلاثة سالفة الذكر، مرتبطة إلى حد كبير، فالحديث عن إطلاق سراح مزيد من الأسرى، يبدو مرتبطا في المقام الأول بضرورة وقف إطلاق النار، والتخفيف من حدة التوتر القائم في غزة، بالإضافة إلى ارتباطه كذلك بمسألة توصيل المساعدات لسكان القطاع، في حين تبقى عملية التشاور، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، بين مصر ومحيطها الدولي، ضرورة ملحة من أجل الوصول إلى توافقات من شأنها الوصول إلى صيغ مناسبة لحل الأزمة، يمكن البناء عليها في المستقبل، للوصول إلى حلول الوضع النهائي، والتي تقوم في الأساس على “حل الدولتين”، وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية.

ولعل “الدبلوماسية” التشاورية تمثل أحد أهم أركان السياسة الخارجية المصرية، في السنوات الماضية، عبر تدشين شراكات ثلاثية، قابلة للتمدد والامتداد الجغرافي، وهو ما يبدو في الشراكة مع اليونان وقبرص، من جانب، والشراكة مع العراق والأردن، واللتين ساهمتا في تحقيق اختراقات كبيرة في الملفات الإقليمية في الشرق الأوسط، عبر انضمام دولا أخرى رغم التوتر في علاقتهم، مما ساهم في حزمة من المصالحات دفعت نحو قدر من الاستقرار الإقليمي.

إلا أن “الثلاثيات” ربما لا تكفي، فالتحرك المصري، في أزمة غزة اتخذ مسارا جمعيا، عبر قمة “القاهرة للسلام”، جنبا إلى جنب مع آخر “ثنائيا” تجسد في اللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عدد من القادة الأوروبيين، سواء على هامش القمة أو في إطار زيارات أخرى قاموا بها للقاهرة، تعكس أهمية الدور الذي تلعبه الدولة المصرية في الأزمة الحالية، إلى الحد الذي لا يمكن معه تجاوزها عند زيارة المنطقة.

فلو نظرنا على سبيل المثال إلى لقاءات الرئيس السيسي، سواء مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، من جانب، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من جانب آخر، نجد أن ثمة توافقات استطاعت الدولة المصرية تحقيقها مع قوى رئيسية في المعسكر الغربي، والمعروف بتأييده لإسرائيل، تمركزت في معظمها حول المسارات التي تتحرك عليها، وهي تهدئة الأوضاع، في ظل الخلاف حول صيغة “وقف إطلاق النار”، وهو ما يمثل نقطة انطلاق يمكن تمديدها في المستقبل، بالإضافة إلى قضية المساعدات الإنسانية وضرورة دخولها إلى القطاع مع تيسير دخول مساعدات الدول الأخرى، ناهيك عن رفض التهجير، في الوقت الذي تلقى فيه القاهرة دعما دوليا للقيام بدور أكبر في ملف الأسرى.

لقاءات الرئيس السيسي مع زعماء أوروبا، وما حققته من توافقات، نجحت في جوهرها في تجاوز “الثنائية” نحو خلق قاعدة أكبر من التوافق بين الرؤية المصرية، من جانب، والرؤى التي تتبناها الدول الأخرى المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يمثل خطوة هامة للغاية في تحقيق قدر من التوازن في المواقف الدولية، بعيدا عن الانحياز الصارخ، الذي تبنته تلك الدول مع بداية الأزمة، وهو ما يبدو في تعهد الرئيس ماكرون بإرسال مساعدات إنسانية لغزة، ودعمه لعودة خدمات الكهرباء  وهو ما يشكل قدرا من الضغط على الجانب الإسرائيلي الرافض

وهنا يمكن القول بأن الدبلوماسية التشاورية، باتت أحد أهم أدوات الدولة المصرية لتجاوز العديد من الخلافات، فيما يتعلق بإدارة الأزمات الدولية، في اللحظة الراهنة، وفي القلب منها أزمة غزة، وهو ما يضفي قدرا كبيرا من الشرعية، على التحركات التي تتبناها من أجل الوصول إلى توافقات يمكن تمديدها إلى نطاق أوسع جغرافيا، وهو ما يخلق قاعدة دولية أكبر من شأنها إجبار الاحتلال على تقديم تنازلات، فيما يتعلق بالنقاط المتوافق عليها، من جانب، كما يمكن تمديدها من حيث الموضوع عبر التفاوض، من خلال الوصول إلى صيغ أعمق فيما يتعلق بالحلول النهائية للأزمة سواء الراهنة، عبر التوافق على صيغة “وقف إطلاق النار”، أو في المستقبل عند مناقشة حلول الوضع النهائي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *