كتبت\هبه عبدالله
“عصافير وطيور ترفرف بأجنحتها يميناً وشمالاً وسط الطبيعة الخلابة جنوب مصر”.. هكذا يمكن وصف المشهد على الجزر النيلية بمدينة أسوان، والتى تستضيف أسراب الطيور المهاجرة فى رحلتها الموسمية من أوروبا إلى أفريقيا والعكس مروراً بمصر.
ووسط هذه المشاهد الطبيعية الخلابة، يأتى مجموعة من المهتمين لرصد أسراب الطيور المهاجرة، والتى تعتبر أسوان محطة فى سفرها عبر القارات فى رحلة موسمية تتزامن مع الخريف والربيع من كل سنة، وتعد أيضاً سياحة بيئية تجذب العاشقين لهذه الحياة البرية، ورافق ” المهتمين بهذه السياحة البيئية، فى جولة نيلية بمدينة أسوان لمتابعة الأنواع الفريدة من الطيور المهاجرة.
وقال إسماعيل خليفة، مراقب طيور ومصور حياة برية، إن الطيور لها أهمية كبيرة فى حفظ التوازن البيئى، فهى مجموعة من الفقاريات تتميز بوجود ريش على جسمها ومنقار عديم الأسنان وقلوب رباعية الغرف وعظام خفيفة تساعدها على الطيران، والطيور تنتشر تقريبا فى كل قارات العالم، وهناك نحو 10 آلاف نوع مختلف من الطيور حول العالم، ومصر بها أكثر من 400 نوع من الطيور المقيمة والمهاجرة، ويتم تصنيف الطيور من خلال الصفات الشكلية زى الحجم وشكل المنقار واللون وغيرها.
وتابع إسماعيل خليفة، أن الطيور مهمة لحياة الإنسان لأنها تحفظ التوازن البيئى، وبعض الطيور تتغذى على الحشرات الضارة مثل أبو قردان الذى يساعد الفلاحين فى تنظيف التربة من الآفات الزراعية، وبعض الطيور تتغذى على الفئران والقوارض وبعض الطيور الجارحة تخلص البيئة من جثث الحيوانات النافقة، وبالتالى تمنع انتشار الأمراض بين البشر، والطيور تساهم أيضاً فى تلقيح الأزهار ونقل البذور من مكان لمكان وبعض مخلفات الطيور تعمل على تسميد وإثراء الحياة البحرية، وقبل ذلك فإن الطيور مصدر إلهام كبير فى مجالات الهندسة والصناعة والفنون.
وأضاف، أنه على مدار سنين يحاول علماء الطيور يبحثون عن سبب هجرة الطيور، وكان أقرب التفسيرات هو البحث عن الغذاء، موضحاً أن أسوان تعد محطة رئيسية لهجرة الطيور والتى تهاجر على مرحلتين، هجرة خريفية وهجرة ربيعية، والهجرة الخريفية من أوروبا إلى أفريقيا وهذه تبدأ من منتصف أغسطس تقريبا وتستمر حتى الشتاء وسببها أن أوروبا تتغطى تماما بالجليد، والطيور لا تجد ما تتغذى عليه فتهاجر إلى أفريقيا الدافئة بحثًا عن الطعام، أما الهجرة الربيعية فهذه هجرة عكسية من أفريقيا الحارة إلى أوروبا المعتدلة نسبيا، وتبدأ فى 15 مارس تقريباً، وتعود الطيور إلى أوروبا بعد ذوبان الجليد وتبدأ موسم التزاوج وبناء العش ورعاية الصغار.
وأشار إلى أن اليوم العالمى للطيور المهاجرة هو فى الأساس عبارة عن حملة توعية هدفها تسليط الضوء على الطيور المهاجرة بهدف الحفاظ عليها وعلى بيئاتها الطبيعية، ويهدف أيضاً إلى لفت الانتباه إلى التهديدات التى تواجه الطيور المهاجرة والتى من أبرزها خطر التسمم والصيد الجائر وغير القانونى والاصطدام بأبراج الكهرباء وتوربينات الرياح وفقدان البيئات الطبيعية التى ترتاح فيها الطيور لالتقاط الأنفاس خلال رحلة الهجرة المرهقة، والعام الحالى خصص اليوم العالمى للطيور المهاجرة للتركيز على موضوع المياه وأهميتها للطيور المهاجرة.
وأوضح مراقب الطيور، أن الطيور البرية فى أسوان، حسب المواقع المتخصصة فى رصد الطيور حول العالم، تشير إلى أنه تم رصد حوالى 300 نوع من الطيور فى أسوان ما بين طيور مقيمة بشكل دائم فى أسوان وبين طيور مهاجرة تمر بأسوان أثناء هجرتها لأفريقيا.
ولفت إلى أن الطيور البرية المقيمة فى أسوان، منها اليمامة الضاحكة والعصفور المنزلى والغراب الأبقع والزقزاق البلدى والإوزة المصرية ودجاجة الماء والفرخة السلطانية والبط الحديدى والبلشون الأبيض الصغير وأبو القردان والكروان السنغالى والوروار الأخضر الصغير وصياد السمك الأبقع والهدهد والسنونو والبلبل وتمير وادى النيل وغيرهم، أما الأنواع المهاجرة فهى بط الكيش والبلبول الشمالى والشرشير وأبو معلقة والبجع والفلامنجو والحجوالة والزقزاق المطوق والطيطوى وأبو فصادة والوروار الأوروبى والغاق وغيرها.
وأكد أن مراقبة الطيور هواية عالمية يمارسها ملايين الأشخاص حول العالم، لافتاً إلى أن أمريكا وحدها فيها 45 مليون شخص يراقبون الطيور، منهم 39 مليون داخل حدائق منازلهم ، و16 مليون مراقب طيور نشط يتجول لمشاهدة الطيور، مشدداً على أن مراقبة الطيور ليست مجرد هواية فقط ولكن مشاهدة الطيور مفيدة من كذا جانب، سواء على الصعيد الفردى أو الجماعى.
وأكمل حديثه قائلاً: تساعد فى الصعيد الفردى على تحسين الحالة المزاجية وتقليل الضغوط الحياتية ومشاهدة الطيور تعلمنا الصبر وتساعدنا نكتشف ذاتنا من جديد ونتعلم سلوكيات جديدة زى الصمت والتأمل وكمان تساعد على الإبداع من خلال الإلهام لمجرد رؤية الطيور فى بيئتها الطبيعية، وفوق هذا فإن مشاهدة الطيور تساعد على النشاط وفيها قدر من الرياضة لأنك تضطر تمشى مسافات كبيرة فى بيئات مختلفة حتى ترى طيور جديدة، وعلى الصعيد الجماعى، فإن مراقبى الطيور يلعبون دوراً مهماً فى مساعدة العلماء والباحثين فى دراسة انتشار وتوزيع الطيور حول العالم وهجراتها وتتبع أعدادها واختلاف سلوكيات هجرتها ومدى تأثير بعض الظواهر مثل التغيرات المناخية عليها، والعلماء يسجلون هذه البيانات ويحللونها و يجرون دراسات على الطيور من خلالها وهذا متعارف عليه علمياً باسم “علوم المواطنين” أو الـcitizen science.
فى المقابل، قالت أية عبد الهادى أبو الوفا، فنانة من المهتمين بمراقبة الطيور، إنها رافقت المجموعة فى جولة نيلية لمراقبة الطيور فى أسوان، واكتشفت أنواع من الطيور كانت تختلط عليها أسماءها بالإضافة إلى رؤيتها بعض الأنواع لم تكن تتوقع أن تراها فى أسوان، مشيرة إلى أنها استمتعت بأصوات الطيور المختلفة باختلاف أنواعها بعد أن شاهدت بعض الأفلام التى تحكى عن هذه المسألة، وقالت: إن كان هناك تقارب فى بعض الأصوات بين الطيور لكن هناك اختلاف فى أصواتها وأكثر ما سمعت وميزت من الأصوات هو صوت الأوزة والكروان.
وأضاف هيثم حسنى، من المهتمين بمراقبة الطيور فى أسوان، أنه حرص على متابعة هجرة الطيور من جزيرة محمية سالوجا وغزال، ضمن فاعليات اليوم العالمى للطيور المهاجرة، وكانت فرصة للتعرف على أنواع الطيور المختلفة وسبب هجرتها من خلال مشاهدة ذلك على الطبيعة، ومعرفة أسرار هجرة الطيور وبقائها فى مصر فترة ضمن هجرتها ومعرفة أنواع هذه الطيور وموطن كل واحد منها، مؤكداً أنها فرصة لتأسيس جيل جديد يعمل على مراقبة الطيور والعناية بهذا المجال فى محافظة أسوان.
وأشارت فدوى فاروق، إعلامية من المهتمين بمراقبة الطيور، إلى أنها المرة الأولى التى تذهب لتراقب الطيور بأنواعها من الطبيعة لتشاهد الاختلاف الكبير عن مجرد تلقى المعلومات فحسب، وأنها استفادت برحلة مسار الطيور المهاجرة عبر القارات.
وتابع عبد الشافى حسين، إعلامى من المهتمين بمراقبة الطيور، أن محمية سالوجا وغزال الطبيعية هى واحدة من أهم محطات الطيور المهاجرة وعلينا الاهتمام والعناية بهذه المحمية من مخاطر اشتعال النيران فى الحشائش الموجودة فيها باستمرار، لأن ذلك من المخاطر التى تهدد الطيور المهاجرة وأنواعها المختلفة.
من جانبها، أكدت الدكتورة سمر عبد العظيم، مدير محمية جزر النيل بقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، أن احتفالية اليوم العالمى للطيور المهاجرة تسعى إلى التعريف بالطيور فى مسار هجرتها، مضيفةً أن مصر تحتوى على ثانى أهم مسارات هجرة الطيور على مستوى العالم، كما أن أسوان بها أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة، مضيفة أن الاحتفال باليوم العالمى، هذا اليوم يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على المسطحات والمجارى المائية من التلوث، لأنها بيئة مهمة جداً للطيور أثناء الهجرة للاستراحة والغذاء فى هذه البيئة، مشيرة إلى أن الاحتفالية شارك فيها مجموعة من المعلمين ومرشدى السياحة والفنانين والمصورين، المهتمين بمراقبة الطيور والتعرف على أنواعها وأشكالها ومسار هجرتها، مؤكدة أنها تتمنى أن تترك هذه الفاعليات الأثر الإيجابى فى رفع الوعى البيئى والحفاظ على هذا المكون الحيوى لمصر والعالم.