يثير السياسي والدبلوماسي الأردني الدكتور مروان المعشر، عواصفًا من الجدل في المملكة، خصوصًا أنه درج على الحفر عميقًا في مسائل الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح.
المعشر -الذي شغل مناصب مهمة، منها نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والإعلام- عاد بقوة إلى الساحة السياسية في الأردن، بعد سنوات طويلة أمضاها نائبًا للرئيس في البنك الدولي ثم في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي.
ويعتقد البعض أن المعشر سياسي عابر، إلا أنه أكد بمثابرته وعمله، أن دوره لم ينتهِ. فالرجل فرض نفسه كمفكر ومنظّر مرموق، غير منقطع عن الواقع، وصاحب رؤيا إصلاحية، صدامية أحيانا.
إطلالته في منتدى “شومان” بجانب رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس إدارة البنك الأردني الكويتي عبدالكريم الكباريتي، في محاضرة عن كتاب المعشر “اليقظة العربية الثانية والنضال من أجل التعددية”، أعادت آمالًا وتطلعات، ما تزال يانعة، منذ كانا في حكومة “الثورة البيضاء”، مثلما استثارت غضبًا نيابيًا وهجومًا من مراكز قوى وصلت إلى حد اتهامه بالعمالة للأمريكيين بل و”تخريب البلد”.
الكباريتي اللماح، استبق الهجوم المتوقع عليه وعلى المعشر، وقال: “المعشر بطبعه لا تردعه ثرثرة غاضبة ولا تعنيه محاولات التشكيك أو الاستهداف من جاهل أو من متحامل، ويظل صاحب فكر يحترم النقد ويقبل الاختلاف في إطار الحجة والمنطق”.
ولد مروان جميل عيسى المعشر، عام 1956، لأسرة مسيحية من مدينة السلط، امتازت بالعمل في الاقتصاد والسياسة، حيث أن عمه صالح المعشر كان وزيرًا.
وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية عام 1977، وعلى درجتي الماجستير في 1978، والدكتوراة في هندسة الكمبيوتر عام 1981.
بدأ حياته العملية صحفيًا في جريدة “الجوردان تايمز” باللغة الإنجليزية، وها هو يعود إلى مهنة المتاعب كاتبًا في صحيفة “الغد”. وما بينهما رحلة حياة، ما تزال في امتداد.
الصحفي سعد حتر، الذي زامل المعشر في “الجوردان تايمز” يصفه بأنه “دمث، بسيط جدًا، حلو المعشر، متفاني بعمله، ونكاته السياسية لاذعة”.
ويستذكر حتر في معرض حديثه إلى “إرم نيوز” أن “مقالة المعشر في الجوردان تايمز تميزت بالجرأة وتوجيه النقد إلى جملة من القوانين والتوجهات، من ضمنها الدستور”.
تنقل المعشر بعد “الجوردان تايمز” في العديد من المواقع الوظيفية الحكومية، فقد عمل في وزارة التخطيط ثم مستشارًا إعلاميًا في رئاسة الوزراء.
حين انطلقت مفاوضات السلام مع إسرائيل، عُين متحدثًا رسميًا باسم الوفد الأردني بين عامي 1991-1994، وعين سفير الأردن في إسرائيل بين عامي 1995-1996، ليكون أول سفير يمثل المملكة في إسرائيل.
برز حين جاء وزيرًا للإعلام في حكومة عبد الكريم الكباريتي 1996، ويومها تحدث في اللقاء الأسبوعي مع الصحافيين، لشرح توجهات الحكومة والتعليق المباشر على ما يطرأ من أحداث، بعد أن كان الوزير لا يرى إلا بمناسبات نادرة.
بين عامي 1997- 2000 عين سفيرًا للأردن في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان له دور بارز في إنجاز اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية.
أقنعه زميله في حكومة الكباريتي علي أبو الراغب، بالعودة وزيرًا للخارجية في حكومته بين عامي 2002 و2004، وهو المنصب الذي استمر به في حكومة فيصل الفايز 2003. ثم نائبًا لرئيس الوزراء ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ومراقبة الأداء الحكومي عام 2004، إثر التعديل الوزاري على حكومة فيصل الفايز. ثم عمل نائبًا لرئيس الوزراء بين عامي 2004 و 2005 في حكومة الدكتور عدنان بدران.
إضافة إلى مناصبه هذه، عهد له الملك عبدالله الثاني، برئاسة اللجنة الملكية للأجندة الوطنية التي يعتبرها بمثابة “عقد اجتماعي” جديد مع المواطنين.
مخرجات الأجندة الوطنية شكلت قفزة مهمة تجاه الإصلاح، بيد أنها هوجمت من مراكز القوى والحرس القديم، كما هوجم رئيس لجنتها شخصيًا، وقيل إنه أتى بأفكار لا تناسب الأردن، ومنقولة عن أدبيات غربية، وجرى وئدها.
دافع المعشر عن الأجندة بأنها جهد لنخبة من الأردنيين، شارك في إعدادها حوالي 450 أردنيًا وأردنية من مختلف الأطياف السياسية والاقتصادية والمجتمعية؛ من أحزاب وأعضاء في مجلسي النواب والأعيان، ومن القطاع الخاص والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وخبراء في الاختصاصات كافة.
ويصف الأجندة بأنها: “منظومة متكاملة ومتناغمة من السياسات والإجراءات والقوانين، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تهدف إلى تحسين نوعية حياة المواطن الأردني، عن طريق توسيع قاعدة صنع القرار، ومعالجة تحديات الأردن الاقتصادية المزمنة؛ كالبطالة وعجز الموازنة والدين العام، كما مساعدة الطبقات الأقل حظًا على تحسين أحوالها، وزيادة حجم الطبقة الوسطى”.
وبقي المعشر طيلة سنوات غيابه خارج الأردن، الغائب الحاضر، فالأجندة الوطنية، ومقالاته وكتبه، ظلت تثير جدلًا ونقاشًا لا يهدأ، وحتى عندما كان الرجل على بعد آلاف الأميال.
آراؤه وصراحته التي ينظر إليها باعتبارها “زائدة” أحيانًا، أثارت عليه حروبًا ومواقف، فتعرض للإهمال في محطات معينة من مسيرته، وحاق به ظلم، لكنه بقي أمينًا لمبادئه.. لا يبالي.
يصنف المعشر ليبراليًا، يؤمن بإعطاء الناس حرية التفكير، ولا ينتمي إلى الليبرالية الاقتصادية المتوحشة والضيقة.
يصفه مقرب منه بأنه “ليبرو” الإصلاح والليبرالية الذي لا يكل ولا يهدأ، يؤمن بالحوار، ويشرع اليراع.. يراعاً”.
ينزع المعشر عمومًا إلى الحرية، ويكره التقييد والسيطرة، وعلى هدوئه وتواضعه، مقاتل شرس، لا يقبل المهادنة فيما يتعلق بآرائه، ولا يقول كلمته ويرحل. ودأبه أن يوسع للمدى.. مدى.