كتبت\هبه عبدالله
رتبط مصطلح “النفوذ”، في العلاقات الدولية بالعديد من نظريات الصراع، جراء حالة التنافس المحموم، سواء بين القوى الدولية، القابعة على قمة النظام الدولي، على غرار الوضع الراهن، بين الولايات المتحدة، وروسيا والصين، أو في حقب سابقة، على غرار الحرب الباردة، أو مراحل الاستعمار، أو بين القوى المؤثرة في مختلف الأقاليم الجغرافية، وإن اختلفت حدة المنافسة، فيما بينها، بين الدبلوماسية تارة، والحروب العسكرية، على غرار الحروب العالمية، وما انشق عنها من أشكال كـ”الحروب بالوكالة، مرورا بالصراعات التجارية، وحتى إثارة النزعات العرقية والطائفية، لتأجيج الحروب الأهلية، داخل معسكرات الخصوم، تارة أخرى، في انعكاس صريح لحالة التسابق حول زيادة الرقعة الجغرافية التي تسعى كافة القوى الدولية لفرض نفوذها بها.
ولعل حالة “الصراع”، التي ارتبطت بالتنافس الدولي، خلال العقود الماضية، ساهمت في توطيد نفوذ العديد من القوى الدولية، على غرار الولايات المتحدة، والتي باتت تبحث بنهم عن صراعات بديلة، فور انتهائها من أحد المعارك التي تخوضها، على غرار “صراع الحضارات”، الذي نظّرت له واشنطن، قبل اندلاعه بأعوام، كبديل للحرب الباردة، لتنتقل من الرؤية النظرية نحو الجانب العملي، عبر الحرب على الإرهاب، التي اندلعت مع بداية الألفية، قي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وهو ما يعكس حقيقة الارتباط بين الإبقاء على الهيمنة الأمريكية من جانب، واستمرار دائرة الصراعات الدولية عبر نقلها من قمة النظام الدولي، والانطلاق نحو الأقاليم الجغرافية الأخرى، من جانب آخر.
إلا أن نظريات النفوذ الدولي، المرتبطة بتفاقم الصراعات الدولية، على ما يبدو، باتت تتخذ مناح أخرى، في ظل معطيات عدة، أبرزها عودة التنافس على القمة، جراء صعود قوى جديدة من شانها “زعزعة” حالة الهيمنة المطلقة، على غرار الصين وروسيا، ناهيك عن تغير طبيعة الأزمات الدولية، وامتدادها إلى مناطق كانت بمنأى عن تداعياتها في الماضى القريب، ليصلح الانغماس في تأجيج المزيد من الصراعات، خاصة على المستوى الإقليمي، غير مأمون العواقب، مع تصاعد التهديدات التي طالت قطاعات حيوية، كالغذاء والطاقة، والتي تمس حياة الشعوب بشكل مباشر.
وهنا أصبحت الحاجة ملحة لتحويل نظريات “النفوذ”، من المنحى “الصراعي” التقليدي، إلى القدرة على تحقيق التكامل، بين القوى الفاعلة، دوليا وإقليميًا، في ظل مساحة كبيرة من الأدوار التي يمكن القيام بها، جراء تعدد الأزمات، وعدم محدوديتها الزمنية والجغرافية، مما يفتح الباب أمام تعددية القيادة، خاصة على المستوى الإقليمي، في إطار تعظيم للمصالح المشتركة، عبر تحقيق أكبر قدر من التوافق حول العديد من القضايا المثارة، من جانب، والشراكة فيما يتعلق بتقديم حلول لما قد يطرأ من مستجدات، لتحقيق الاستقرار الجمعي للمجتمع الاقليمي بصورته العامة.
فلو نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها أكثر المناطق التي عانت جراء الصراعات بمختلف أشكالها في العقود الماضية، نجد أن ثمة تغييرا كبيرا في الصورة النمطية لـ”النفوذ” الإقليمي، عبر تحويل حالة الصراع إلى تكامل، يقوم في الأساس على دعم القوى المؤثرة لأدوار بعضها، لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار، وهو ما يبدو في نموذج العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية، واللتين ترتبطان بعلاقة تاريخية من الشراكة، ساهمت إلى حد كبير في تأصيل شكل جديد يمكننا تسميته بـ”تكامل التأثير”، وهو ما يبدو في الدعم المتبادل للأدوار التي تقوم بها البلدان في محيطهما الإقليمي، لتحقيق مصالح شعوبهما، ومصالحهما المشتركة، ناهيك عن مصالح الإقليم بأسره، سواء بالدفاع عن حقوقه في مواجهة العالم الخارجي، أو بتقديم حلول جذرية للأزمات اللحظية الراهنة التي تواجهه وتداعياتها الكبرى.
حالة “تكامل التأثير”، بين مصر والمملكة العربية السعودية، تبدو واضحة في السنوات الأخيرة، تزامنا مع حالة الفوضى التي ضربت المنطقة إبان “الربيع العربي”، في ظل دعم الرياض للقاهرة، لاستعادة دورها الريادي، في الوقت الذي وضعت فيه مصر مسألة استقرار الخليج كأولوية قصوى، ترتبط بأمنها القومي، بينما أصبح تصاعد الدور الدبلوماسي لكل منهما مدعوما من الآخر، وهو ما يبدو في المشاركة المصرية الفعالة في القمم الدولية التي استضافتها المملكة مؤخرا، سواء القمة العربية الصينية، أو قبلها القمة العربية الأمريكية، بينما دعمت المملكة استضافة مصر لقمة المناخ، والذي أطلق خلاله ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان النسخة الثانية من مبادرته “الشرق الأوسط الأخضر”، بالشراكة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وهنا يمكننا القول بأن نظريات النفوذ الدولي، باتت تحمل تغييرا كبيرا، بعيدا عن الصراعات التي هيمنت على المشهد الدولي، عبر التحول نحو حالة من تكامل التأثير، بين القوى الإقليمية الفاعلة، في إطار من التعددية يبدو متواكبا مع الوضع الدولي برمته، في ظل خفوت الهيمنة الأحادية، وصعود قوى مؤثرة، بينما تبقى الحالة المصرية السعودية نموذجا يمكن تعميمه، لتخفيف حدة التنافس الدولي في مرحلة تبدو حساسة يشهدها العالم مع تفاقم الأزمات بصورة كبيرة، والعجز الدولي في احتوائها.