تجددت الاشتباكات وإطلاق النار في جوبا عاصمة جنوب السودان، اليوم الاثنين، بعد يوم من دعوة مجلس الأمن الدولي الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس ريك مشار، لكبح جماح قواتهما ووقف العنف.
وقتل العشرات في اشتباكات اندلعت للمرة الأولى يوم الخميس بين الموالين لكير وأنصار مشار، الذي قاد المتمردين خلال حرب أهلية استمرت عامين. وأثار تفجر القتال من جديد مخاوف من عودة الصراع الشامل.
وأدان مجلس الأمن الدولي تصاعد القتال الذي بدأ في جوبا عاصمة جنوب السودان يوم السابع من الشهر الجاري، معربًا عن الصدمة والغضب لاسيما إزاء الهجمات التي استهدفت مقرات الأمم المتحدة ومواقع حماية المدنيين.
وقال المجلس في بيان صدر عنه مساء الأحد عقب جلسة طارئة لمجلس الأمن إن “المجلس يدين وبأشد العبارات جميع الهجمات والاستفزازات ضد المدنيين والأمم المتحدة”.
وأكد المجلس على “ضرورة أن تظل مقرات الأمم المتحدة ومواقع حماية المدنيين وموظفي المنظمة الدولية في مأمن”، معربا في الوقت ذاته “عن تعازيه لأسر قوات حفظ السلام الصينية والرواندية الذين قتلوا أو أصيبوا في تلك الهجمات”.
وحث المجلس جميع الأطراف على الوقف الفوري للقتال”، مطالبا كلا من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه ريك مشار ببذل “قصارى الجهود للسيطرة على قواتهما ومنع انتشار العنف، والالتزام بالتنفيذ الكامل والفوري لاتفاق السلام، بما في ذلك وقف إطلاق النار الدائم وإعادة انتشار القوات العسكرية”.
ولفت البيان انتباه جميع الأطراف بما في ذلك قوات الأمن الحكومية للطابع المدني لمواقع حماية المدنيين الأممية في جنوب السودان، مؤكدًا على أن “الهجمات ضد المدنيين ومباني الأمم المتحدة وموظفيها قد تشكل جرائم حرب”.
دعوة للتحقيق
ودعا المجلس إلى “إجراء تحقيقات شفافة في تلك الجرائم ومحاسبة المتورطين الذين من الممكن أن يقعوا تحت طائلة العقوبات طبقًا لما أذن به القرار 2206 (2015) والمتعلق بالإجراءات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في جنوب السودان”.
وحض مجلس الأمن بلدان المنطقة ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، على الاستمرار في “المشاركة بحزم مع قادة جنوب السودان لمعالجة الأزمة”، معربًا عن “استعداده للنظر في تعزيز بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان “يونميس” وتزويدها بقوات إضافية”.
واشنطن تأمر رعاياها بمغادرة جوبا
أمرت الولايات الأمريكية الموظفين غير الأساسيين بسفارة واشنطن في جوبا بمغادرة البلد، مطالبة في الوقت نفسه بوقف فوري للمعارك الدائرة في جنوب السودان.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي في بيان إن “الولايات المتحدة تدين بشدة المعارك الجديدة التي جرت في جوبا الأحد بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير وقوات نائب الرئيس رياك مشار، بما في ذلك الهجمات المحتملة على مدنيين والتي تبلغنا بوقوعها”، مضيفا أن الوزارة “امرت اليوم بسحب الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأميركية في جوبا”.
وحض المتحدث الرعايا الأميركيين في جنوب السودان على أخذ الحيطة والحذر، محذرا اياهم من أن “قدرة السفارة على توفير خدمات طارئة للمواطنين الأميركيين في جوبا محدودة للغاية”.
وأضاف كيربي أن واشنطن تطالب كير ومشار وحلفائهما السياسيين والعسكريين بسحب قواتهم وإعادتها إلى ثكناتها والحؤول دون وقوع أعمال عنف جديدة وإراقة دماء”.
اليابان تجلي موظفي إغاثة
في السياق، أقدمت اليابان على إجلاء موظفي إغاثة حكوميين تابعين لها، في الوقت الذي ستعمل طائرة عسكرية على مساعدة مواطنين يابانيين آخرين على مغادرة البلاد بعد اندلاع أعمال العنف في العاصمة جوبا.
في هذا الإطار، قال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا إن “موظفي وكالة التعاون الدولي اليابانية البالغ عددهم 47 شخصا يستعدون لمغادرة جنوب السودان جوا على متن طائرة مستأجرة”.
وأضاف سوجا في بيان صحفي صدر عنه الاثنين أنه “يوجد نحو 70 يابانيا في جوبا وتأكدنا من أنهم جميعا سالمون”، مبينا أنه “سيتم إرسال طائرة نقل من طراز سي-130 لتكون مستعدة إلى قاعدة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في جيبوتي على بعد نحو ثلاثة آلاف كيلومتر شرقي جوبا”.
ولليابان نحو 350 مهندسا عسكريا في جوبا يقومون بمد طرق وبنية أساسية أخرى في البلاد.
حصيلة مؤلمة
وفي انتكاسة لاتفاق السلام الذي أبرمه سلفاكير ومشار في آب/أغسطس الماضي وسط ضغوط دولية، بدأت منذ الخميس الماضي سلسة اشتباكات بين القوات الموالية لكليهما في العاصمة جوبا خلفت 269 قتيلا، بحسب مصادر طبية وأمنية.
وتقلد مشار منصب النائب الأول لسفاكير ضمن حكومة انتقالية أقرها اتفاق السلام، وهو المنصب نفسه الذي كان يشغله قبيل تمرده في كانون الأول/ديسمبر 2013 بعد أشهر من إقالته وسط تنافس الرجلين على النفوذ في الدولة الناشئة.
وأخذ الصراع الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى وشرد نحو مليوني شخص طابعا عرقيا بين قبيلة الدينكا التي ينتمي لها سلفاكير وقبيلة النوير التي ينتمي لها مشار، وهما أكبر قبيلتين في البلاد التي تلعب فيها القبلية دورا محوريا في الحياة السياسية.
وتحت رعاية الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا” (إيغاد)، وقعت الحكومة في جنوب السودان اتفاق سلام مع المعارضة المسلحة في آب/أغسطس وبموجبه تم تشكيل حكومة انتقالية بمشاركة جميع الأطراف المتحاربة تستمر لفترة ثلاثة أعوام، تُنظم بعدها انتخابات عامة في البلد.
وتأسست دولة جنوب السودان، بعد استقلالها عن السودان في استفتاء شعبي لسكان الجنوب، أعلن عن نتائجه النهائية في فبراير/ شباط 2011، وتم الإعلان عن الاستقلال في 9 يوليو/ تموز 2011.