رحل عن عالمنا صباح اليوم الخميس ألبير آرييه،
أقدم يهودى بالقاهرة، عن عمر ناهز 91 عاما، وهو الرجل الذى كان يعتز
بمصريته، وقاوم كل إغراءات الصهيونية لاستقطابه، وظل وفياً كل عمره لمبادئه
النبيلة، ولهذا نستعرض عبر التقرير التالى كيف يتم دفن اليهود؟ ومتى يتمّ
الدفن؟ و كيف تتم عملية الدفن؟ وما هى مراسم الحداد؟ وكل تلك الإجابات
نستعرضها حسب ما ذكر موقع كفن يسوع.
ألبير آرييه
ما يقوله التراث عن دفن اليهود قديما؟
كان الدفن يتم عادة فى أملاك العائلة، فى قبور ثابتة ودائمة، “ودُفن فى
أرض ميراثه” (سفر القضاة 2 : 9)، و”توفّى صموئيل، فاجتمع كلّ إسرائيل
وناحوا عليه ودفنوه فى بيته فى الرّامة» (سفر صموئيل الأوّل 25 : 1).
فى زمن مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، كانت المدافن تبنى للملوك والشخصيات: “واضطجع عزّيّا مع آبائه ودفنوه مع آبائه فى الحقل المجاور لمقبرة الملوك” (سفر الأخبار الثانى 26 : 23)
أمّا النبى أشعيا، فقد رفض المقابر الأنيقة: “ما
لكَ هنا ومَن لكَ هنا حتّى نَحتّ لكَ قبرًا هنا؟ أيّها النّاحت له قبرًا
رفيعًا، الحافر فى الصّخر مسكنًا له، هوذا الربّ يا رجل، يقذف بك قذفًا،
ويقبض عليك قبضًا” (سفر أشعيا 22 : 16-17)
إنّ استعمال المدافن الجماعية أتى متأخرًا ونجد له، فى التوراة، بعض الحالات، حيث لم يكن بمقدور الناس الحصول على مدفن خاص: “وذرّ
رماده على قبور عامّة الشعب” (سفر الملوك الثانى 23 : 6)، فأخرجوا أوريّا
من مصر وأتوا به إلى الملك يوياقيم، فقتله بالسّيف، وطرح جثّته فى قبور
عامّة الشعب (سفر إرميا 26 : 23)
أما عن متى يتمّ الدفن؟ فكان الدفن يتمّ، عادة، بعد الوفاة مباشرة، لا
أكثر من يوم واحد بعدها، وذلك بسبب المناخ، ولأنّ اليهود لا يحنطون الموتى
كالمصريين، ولا يحرقونهم كالرومان.
أمّا الحرق، فكانوا يستعملونه كعقاب: “أخبر يهوذا
وقيل له: قد بَغت تامار كنّتك، وها هى حامل من البغاء. فقال يهوذا: أخرجوها
فتحرق” (سفر التكوين 38 : 24)، “وأى رجل اتّخذ امرأة وأمّها، فتلك فاحشة،
فليحرق هو وهما بالنّار” (سفر الأحبار 20 : 14)، “وأيّة ابنة رجل كاهن
تُدنّس نفسها للزنى، فقد دنّست أباها، فلتُحرق بالنار” (سفر الأحبار 21 :
9)
أو كعلامة وفاء، كما حصل لجثث شاول وأبنائه: “أخذوا جثّة شاول وجثث بنيه عن سور بيت شان، وأتوا بها إلى يابيش، وأحرقوها
هناك” (سفر صموئيل الأول 31 : 12)، كما لم يكن مسموحًا حرق الاولاد:
“لا يكن فيك مَن يحرق ابنه أو ابنته بالنّار» (سفر تثنية الاشتراع 18 :
10)، ويروى المؤرّخ الرومانى تاقيطس (55-120) أنّ اليهود كانوا يفضلون دفن
موتاهم على حرقهم.
أما عن كيف تتم عملية الدفن؟، عادة، يتمّ غسل جسد الميت، وقصّ شعره، وحلق
ذقنه، ورشّ العطور عليه، وتلبيسه الثياب. هناك واقعتين، فى العهد الجديد،
تدلان على أنّ الميت لا بدّ من أن يكون لابسًا الثياب : إحياء ابن ارملة
نائين (لوقا 7 : 11-17)، وإحياء طابيثة فى يافا، على يد بطرس الرسول (أعمال
الرسل 9 : 36-43)، وفى هذا الأخير إشارة إلى غسل الجسد.
وغالبًا ما كان يتمّ إغلاق عينى الميت: “يوسف هو
الذى يُغمض عينيك” (سفر التكوين 46 : 4)، إذا كان الميت رضيعًا دون
الثلاثين يومًا، كان يقتاد بالأيدي. وإذا كان ما بين الشهر والسنة، فكان
يوضع فى نعش. وإذا كان ما فوق السنة، كان يوضع على حمالة: “ومشى داود الملك وراء الحمالة” (سفر صموئيل الثانى 3 : 31)
كان من الممكن استعمال النعوش لنقل الميت إلى أماكن بعيدة. وكان إبن ميمون
(1135-1204)، الفيلسوف اليهودي، يوصى باستعمال نعوش من خشب. فى أيامنا
هذه، فى إسرائيل، تنقل الجثث على حمالات ولا تستعمل النعوش إلاّ للجنود،
وفى هذه الحال يكون النعش من خشب، بسيطًا ومتواضعًا.
كان الموتى يدفنون ومعهم مؤونة من الطعام وأشياء ثمينة كانوا يملكونها.
وكان الميت ملقيًا على الظهر، والكوعان متباعدين، واليدان مكتوفتين على
أسفل البطن. وقد تأكدت هذه الوضعية من خلال هياكل عظمية للاسينيين تمّ
اكتشافها خلال الحفريات فى قمران. ويشار إلى أنّ هذه الوضعية شبيهة بوضعية
رجل كفن تورينو.
وعن العادات اليهودية للحداد، فالحداد لمدة سبعة أيام: “وأقام يوسف لأبيه مناحةً سبعة أيام” (سفر التكوين 50 : 10)، والصوم والامتناع عن تنظيم المأدبات: “وأخذوا عظامهم ودفنوها تحت الطّرفاء التى فى يابيش، وصاموا سبعة أيام” (سفر صموئيل الأول 31 : 13)، ونزع الحلي: “فلمّا سمع الشعب هذا الكلام المرّ، حزن ولم يجعل أحد زينته عليه” (سفر الخروج 33 : 4)، والامتناع عن غسل الجسد وعن استعمال العطور: “فنهض داود عن الأرض واغتسل وتطيّب وغَيّر ثيابه.» (سفر صموئيل الثانى 12 : 20)، و ضرب الصدر: “إلطمن على الثّديّ” (سفر أشعيا 32 : 12)، ووضع التراب على الرأس: “فمزّق يشوع ثيابه وسقط على وجهه إلى الأرض قدّام تابوت الربّ إلى المساء،
هو وشيوخ إسرائيل، ووضعوا التراب على رؤوسهم» (سفر يشوع 7 : 6)، وحلق شعر
الرأس واللحى: “فقام أيّوب وشقّ رداءه وحلق شعر رأسه” (سفر أيوب 1 : 20)، وارتداء المسوح أو ملابس خاصّة بالحداد: “قال داود ليوآب ولكلّ الشعب الذى معه: مزّقوا ثيابكم وتمنطقوا بالمسوح
ونوحوا أمام أبنير” (سفر صموئيل الثانى 3 : 31)، و تمزيق الملابس: “ومزّق يعقوب ثيابه وشدّ مسحًا على حقويه وحزن على ابنه أيّامًا كثيرة” (سفر التكوين 37 : 34).